للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعضهم يحس بالألم لمدة مؤقتة.

وبعضهم تبقى آثار السياط في بدنه؛ فأولئك الذين يتأثرون بالمواعظ ويستفيدون منها، وبها تستقيم أحوالهم وتصلح أمورهم، وهؤلاء لا شك هم الذين وفقهم الله -سبحان الله وتعالى- في هذه الحياة (١)، فعلينا جميعًا أن نُدرك قيمة هذه الشريعة، وأن نحس بعظَمِها، فهذه الشريعة هي التي أعز الله بها المسلمين عندما حورب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون، ثم حُوصروا من قِبل أقوام في شعب بني عامر ثلاثة أعوام، لا ينكحون ولا ينكحون، ولا يزوجون ولا يأكلون، إلى غير ذلك (٢) من الأمور الكثيرة، ثم يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه البلدة الطيبة، وينبغي للمسلم عندما يمر به حدث من الأحداث التي وقعت في هذه الشريعة أن يستفيد منها، حتى تكون حافزًا له على الاستقامة على دين الله، وانتقل المسلمون من أن كانوا قلة إلى أن كانوا أقوياء، بدل أن كانوا يُحارَبون في وطنهم وفي بيوتهم وفي طرقاتهم، إلى أن مكَّن الله -سبحان الله وتعالى- لهم في الأرض؛ فأقاموا أول دولة في الإسلام، أول دولة قامت على التوحيد في المدينة النبوية المباركة ومنها ارتفعت راية الإسلام خفَّاقة، ومنها ارتفعت راية الجهاد، وفي المسجد النبوي الكريم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى الخير، كانت الآيات تنزل والألوية تُعقد في هذا المسجد، وانتشر المسلمون في كل مكان يدعون إلى الفضيلة والخير.

قوله: (وَعِنْدَهُ أَنَّ الكِرَاءَ الَّذِي بِوَقْتٍ مَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الوَقْتُ


(١) هذا الكلام مستفاد من "صيد الخاطر" لابن الجوزي (ص ٢٣ - ٢٥)، حيث قال: "الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها؛ لسببين؛ أحدهما: أن المواعظ كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها، وإيلامها وقت وقوعها … ".
(٢) يُنظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (ص ٣٠٩ - ٣٢٨)، حيث قال: "قال ابن إسحاق: فلما رأت قريش أن الإسلام يفشو في القبائل اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على بني هاشم، وبني المطلب، على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا ولا يَبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>