للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن النظر إلى المصلحة وسد الذرائع باب مطلوب؛ لأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، ولا شك أنَّ من الأمور التي انفردت بها هذه الأمة واختصها الله به -سبحان الله وتعالى- ما جاء في قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠]، فهذه خصيصة بها هذه الأمة، وميزة ميزها الله -سبحان الله وتعالى- بها؛ لأنها تدعو إلى الخير وترشد إلى طريق الفلاح، ولا شك أن هذا عمل عظيم، وهو عكس ما كان عليه بنو إسرائيل {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)} [المائدة: ٧٩]، بئس ذلك العمل، ومع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، إلا أنه على مراحل؛ المرحلة الأولى: التغيير باليد؛ كما في الحديث: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (١)، فليس لكل أحد أن يغير منكرًا بيده، وإنما هذا لولي الأمر الذي بإمكانه أن يغيره، وأيضًا اللسان تنظر هل إذا دعوت بلسانك سيترتب عليه مصلحة أو أنه سيترتب عليه ضرر، فهذا الأمر بالمعروف الذي أوجبه الله تعالى، فإن كان سيترتب عليه ضرر أكبر أو مماثل فدعه، ومن هنا قال العلماء: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" (٢)، وهي قاعدة فقهية معروفة، ولها أمثلة كثيرة، ومنها هذا المثل الذي ذكرنا.


(١) أخرجه مسلم (٤٩)، بلفظ: عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
(٢) الأصل أن الشريعة جاءت لجلب المنافع، ودرء المفاسد، فإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدم دفع المفسدة غالبًا؛ لأن الشرع حريص بدفع الفساد، ويعتني بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات؛ لأن إزالة المفسدة أو درءها فيها منفعتان؛ المنفعة الأولى: عدم وقوع المفسدة.=

<<  <  ج: ص:  >  >>