للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا تغريم الصناع أو تضمينه هذا فيه مصلحة؛ لأنه إذا عرف الصانع - أو الصباغ الذي يصبغ الثياب، أو صاحب المصنع، أو الطباخ، أو الخباز، أو النجار، أو الحداد، أو السباك، أو الكهربائي - إذا عَرف هؤلاء بأنهم مسؤولون عن أعمالهم، وأنهم سيحاسبون عليها، لا شك أنهم سيجدون في ذلك، ولذلك أحيانًا تكون القوة رادعة لبعض الناس، فمن المصلحة هنا أن يشدد في هذا المقام، ولذلك لم يشدد في موضوع الأجير الخاص؛ لأنه موضع أمانة لكن لو تعدى كان ضامنًا أيضًا، أما هذا فإنه يضمن من باب يسد الذرائع.

"قوله: (وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ أَوْ لَا يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ: فَلِأَنَّ العَامِلَ بِغَيْرِ أَجْرٍ إِنَّمَا قَبَضَ المَعْمُولَ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فَقَطْ، فَأَشْبَهَ المُودَعَ، وَإِذَا قَبَضَهَا بِأَجْرٍ فَالمَنْفَعَةُ لِكِلَيْهِمَا، فَغَلَبَتْ مَنْفَعَةُ القَابِضِ، أَصْلُهُ القَرْضُ وَالعَارِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ فِي تَضْمِينِهِ سَدُّ ذَرِيعَةٍ) (١).

حتى إن بعض العلماء يرى - أيضًا - أن الذي يعمل بغير أجر ينقسم إلى قسمين:

إن حصل منه تعدٍ فهو ضامن.


- المنفعة الثانية: تركُ المرء سالمًا؛ لأن الضر إذا وقع على الإنسان فإنه يعيقه عن كثير من المصالح التي لا بد أن يتقدم لها.
ويشترط في تقديم درء المفسدة ألا يؤدي إلى مفسدة أخرى، فيلغى التقديم؛ لأن الشريعة مبناها على تحصيل الصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بحسب الإمكان. انظر: "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" للعز بن عبد السلام (١/ ٩٨)، و"الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (٣/ ١٤) و"القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه" لمحمد حسن عبد الغفار (١٢/ ٣).
(١) يُنظر: "الفروق" للقرافي (٣/ ٢٦٦)، حيث قال: "الذريعة هي الوسيلة للشيء وهي ثلاثة أقسام؛ منها: ما أجمع الناس على سده، ومنها ما أجمعوا على عدم سده، ومنها ما اختلفوا فيه، فالمجمع على عدم سده كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>