للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثال ذلك: لو كان لك دين على رجل، فهل لك أن تقول له: يا فلان ضارب بالدَّين الذي عندك؟

جمهور العلماء (أبو حنيفة (١) ومالك (٢) والشافعي (٣) وأحمد (٤)) يمنعون ذلك، بل فرعوا على ذلك مسألة أخرى، فيما لو قال الدائن للمدين - أي: صاحب الحق للذي عليه الحق -: اعزل ما عندك من دين وضارب به، قالوا: لا يجوز أيضًا ذلك؛ لأنَّ المدين إذا اشترى بما عنده من الدين الذي عليه - أي: الذي في ذمته لصاحب الحق - إذا اشترى به عرضًا أو غير ذلك؛ فإن ذلك المشترى يكون حقًّا له حتى ولو كان ما يشتريه في الذِّمة، فما يشتريه يكون ملكًا له، لا ملكًا للدائن، وإنما يكون ملكًا للدائن عندما يقبضه بنفسه، أو يوكِّل عليه، كما سيأتي في الصورة الأخرى.

فلا يجوز أن يقول له: يا فلان لي عليك عشرة آلاف ريال، فاعمل بها مضاربة، على أن يكون لك النصف والثلث والربع؛ لأن هذا المال لا يزال ملكًا للمدين ولم يكن بعدُ ملكًا للدائن.

أما لو أن إنسانًا أودع مبلغًا من المال عند رجل آخر، فله أن يقول: يا فلان ضارب بذلك المال؛ لأن ذلك هو حقه، وهو أمانة عند هذا الرجل، فله أن يضارب به، والصورتان مختلفتان.


(١) يُنظر: "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (٨/ ٤٤٧) حيث قال: "وكذا إذا قال له: اقبض ما لي على فلان واعمل به مضاربة جاز لما قلنا، بخلاف ما إذا قال له: اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا تصح المضاربة".
(٢) يُنظر: "حاشية الصاوي" للخلوتي (٣/ ٦٨٢) حيث قال: "لا بدين عليه: أي على العامل بأن يقول له: اتجر في الدين الذي عليك والربح بيني وبينك".
(٣) يُنظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (٢/ ٣٨١) حيث قال: "وإن قال لمدينه: اعزل مالي الذي في ذمتك: فعزله ولم يقبضه، وقارضه عليه فاشترى له أي للقراض (بعينه) شيئًا؛ فكالفضولي يشتري بعين ماله للغير، فلا يصح".
(٤) يُنظر: "الإقناع" للحجاوي (٢/ ٢٦٣) حيث قال: "وإن قال: ضارب بالدين الذي عليك أو بديني الذي على زيد فأقبضه، أو قال: هو قرض عليك شهرًا ثم هو مضاربة؛ لم يصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>