للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ"، كَمَا فِي رواية مسلمٍ (١).

وَأَجَابَ أَصْحَابُ القَوْل الأوَّل عن هَذِهِ الأدلَّة بما يلي:

أَوَّلًا: أَنَّ تفسيرَ الصَّعيد في قَوْل الله تَعالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} بما صَعد على ظهر الأرض -صحيحٌ، لكن ورد تفسيره بأنه التراب (أي: تراب الحرث) (٢)، وهذا يرجح التقييد لا الإطلاق.

ثانيًا: أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" (٣)، فَهَذا مطلقٌ، وقد قيَّدته الرواية الأُخرى: " … تُرْبَتُهَا لنَا طَهُورًا" (٤).

وفي رِوَايةٍ: "جُعِلَتِ الأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا مَسْجِدًا، وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا إِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ" (٥).

ثَالثًا: وأما حديث أبي الجهيم (٦)، فالظاهر أن المراد بذلك جدارٌ عليه تراب؛ لأنَّ جدرانَهم كانت من الطين، والطين إنَّما هو أصله من التراب، والجدار غالبًا ما يعلق عليه التراب، فالرياح تسف ذلك التراب وتجمعه عليه، قالوا: ونحن نجيز أن يتيمَّم على الجدار الذي عليه الغبار، ولا سيما الحنابلة في مذهبهم (٧).

رَابعًا: وأمَّا قَوْل النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "ثمَّ تنفخ فيهما"، كَمَا في حديث عمارٍ (٨)، فالمُرَاد به تخفيف التراب لا إزالته؛ لأن التراب مقصود في


(١) أخرجه مسلم (٣٦٨).
(٢) تقدمت عن ابن عباس - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (٢٦٣).
(٤) أخرجه مسلم (٥٢٢).
(٥) أخرجها الدارقطني في "سننه" (٦٧٠).
(٦) وقد تقدم.
(٧) لأنهم يشترطون في التراب أن يكون له غبار.
يُنظر: "الإقناع" للحجاوي (١/ ٥٤)، قال: "ولا يصح التيمم إلا بتراب طهور مباح غير محترق له غبار".
(٨) وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>