للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجمهور (١) على حَمْل المطلق على المقيد، فلا يفهم المطلق على إطلاقه لوجود المقيد.

وَذَهَب ابن حزم (٢) -وقَدْ تأثَّر به المؤلف- إلى الأخذ بالمطلق؛ لأنَّ به زيادة معنًى، فيعمل به.

قوله: "فَمَنْ كَانَ رَأْيُهُ القَضَاءَ بِالمُقَيَّدِ عَلَى المُطْلَقِ، وَحَمَلَ اسْمَ الصَّعِيدِ الطَّيِّب عَلَى التُّرَاب، لَمْ يُجِزِ التَّيَمُّمَ إِلَّا بِالتُّرَاب، وَمَنْ قَضَى بِالمُطْلَقِ عَلَى المُقَيَّدِ، وَحَمَلً اسْمَ الصَّعِيدِ عَلَى كُلِّ مَا عَلَىَ وَجْهِ الأَرْضِ مِنْ أَجْزَائِهَا، أَجَازَ التَّيَمُّمَ بِالرَّمْلِ وَالحَصَى"، اعتبر المؤلف رحمه الله أن هَذَا هو سبب الخلاف، والحقُّ أن هذا ليس هو سبب الخلاف، وقد تقدم قريبًا ذكر سبب الخلاف، وأنه يدور حول فَهْم قول الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "جُعِلَتْ لَنَا الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" (٣)، وقوله لعمارٍ: "ثم تنفخ فيهما" (٤)، وكونه -صلى الله عليه وسلم- تيمم على جدارٍ (٥).


(١) يُنظر: "الغيث الهامع" لأبي زرعة أحمد العراقي (٣٤٤)، قال: "حمل المطلق عليه جمعًا بين الدليلين، ويكون المقيد بيانًا للمطلق، أي: بين أنه المراد منه، وقد حكى الآمدي وغيره الاتفاق على هذا، لكن الخلاف فيه موجودٌ عند الحنفية، حكاه ابن السمعاني في (القواطع)، والمالكية … حكاه الطرطوشي".
(٢) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (٢/ ١٦٠، ١٦١)، قال: "قال الله عز وجل: {صَعِيدًا طَيِّبًا}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الأرض مسجد وطهور"، وقال عليه السلام: "الأرض مسجد، وتربتها طهور"، فكل ذلك حق، وكل ذلك مأخوذ به، وكل ذلك لا يحل ترك شيءٍ منه لشيءٍ آخر، فالتراب كله طهور، والأرض كلها طهور، والصعيد كله طهور، والآية وحديث جابر في عموم الأرض زائد حكمًا على حديث حذيفة في الاقتصار على التوبة، فالأخذ بالزائد واجب، ولا يمنع ذلك من الأخذ بحديث حذيفة، وفي الاقتصار على ما في حديث حذيفة مخالفة للقرآن، ولما في حَدِيثِ جَابِرٍ، وهذا لا يحل".
(٣) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (٢٦٣) بلفظ: "وجُعلَت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا"، وصحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (٤٢٢٣).
(٤) أخرجه البخاري (٣٣٨)، ومسلم (٧٤٨).
(٥) أخرجه البخاري (٣٣٧)، ومسلم (٧٥١)، من حديث أبي الجهيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>