للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرفنا هناك أن كثيرًا من العلماء يرى أنها لا تحرم؛ ليعامل هذا المطلق بنقيض قصده؛ لأنه ربما طلقها وهو في هذه الحالة ليحرمها من الميراث، ولم يكن الدافع له إرادة تطليقها حقيقة، فهو طلقها إذًا لعلة، لشيء في نفسه، ليحرمها من الميراث، حتى لا تتمتع به، فقال هؤلاء العلماء: يعامل بالنقيض. وهنا لو أن المريض في مرض الموت أعطى مالًا للمضاربة به فهل ينفذ ذلك؟

الجواب: نعم؛ لأن هذا لا يشك فيه؛ لأن المضاربة أصلًا تكون للمصلحة، فدفع هذا المال لمصلحته ومصلحة الورثة، فحينئذ لا يتهم في هذا المقام، فلذلك ينْفُذُ (١).


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (٥/ ٦١٦) قال: "مريض عليه دين محيط فأقر بقبض وديعة أو عارية أو مضاربة كانت له عند وارثه صح إقراره؛ لأن الوارث لو ادعى رد الأمانة إلى مورثه المريض وكذبه المورث يقبل قول الوارث".
ومذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (٣/ ٥٣٨) قال: "وحاص رب القراض ونحوه غرماءه في المال المخلف عنه، وتعين القراض ومثله الوديعة والبضاعة بوصية إن أفرزه وشخصه بها كهذا قراض فلان أو وديعته، وقدم صاحبه أي صاحب القراض ونحوه المعين له الغرماء الثابت دينهم في الصحة والمرض، وسواء ثبت دينه بإقرار أو بينة، فقوله: في الصحة إلخ، متعلق بمحذوف تقديره الثابت؛ أي: قدم على الدين الثابت في الصحة والمرض، ولا ينبغي - أي: يحرم لعامل في مال القراض - هبة لغير ثواب بكثير ولو للاستئلاف".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "التنبيه في الفقه الشافعي" للشيرازي (ص ١٢٠) قال: "وإن قارض في المرض اعتبر الربح من رأس المال، وإن زاد على أجرة المثل، وإن مات وعليه دين قدم العامل على سائر الغرماء".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٣/ ٥٢١) قال: "وإن قارض المريض في المرض المخوف ومات فيه فالربح من رأس المال، وإن زاد على تسمية المثل أي ما يسمى لمثله، ولا يحتسب من ثلثه، ويقدم به على سائر الغرماء؛ لأن ذلك لا يأخذه من ماله، وإنما يستحقه بعمله من الربح الحادث، ويحدث على ملك المضارب دون المالك؛ بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجر فإنه يحتسب بما حاباه من ثلثه؛ لأن الأجر يؤخذ من ماله. وإن ساقى المريض، أو زارع في مرض موته المخوف حسب الزائد من الثلث؛ لأنه من عين المال، بخلاف الربح في المضاربة".

<<  <  ج: ص:  >  >>