للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن لو ذهبت إليه وقلت له: بكم تبيعه لمدة عام أو عامين؟ فقال لك مثلًا: بعشرة آلاف. وأنت تعلم أنه يبيعه نقدًا بخمسة آلاف، لكنك محتاج وليس معك نقد، أو معك نقد ولكن ستستخدمه في شيء آخر، وبعض الناس عنده من المهارة والمعرفة بطرق الكسب ما ليس عند غيره، فيقول الواحد منهم مثلًا: لماذا أذهب وأشتري لي بيتًا بمليون، وأسكن فيه ويكون رأس المال في السكن؟ أنا أذهب وأستأجر بعشرة آلاف أو بعشرين وأعمل في هذا المليون، ومع مرور الأيام يتضاعف، فالناس يختلفون في طرق كسب المعيشة وفي طرق التجارة، وبعض الناس يهبه الله -سبحانه وتعالى- خبرة، ولا ننسى توفيق الله - سبحانه وتعالى -، فلا يظننَّ ظان أن القضية قضية ذكاء.

ينال الفتى من عيشه وهو جاهل … ويُكدي الفتى في دهره وهو عالم

ولو كانت الأرزاق تأتي على الحجا … هلكن إذًا من جهلهن البهائم (١)

فأنت لو ألقيت نظرة سريعة على الناس لوجدت أن بعض الناس يتصف بالهدوء وقلة الحركة، ومع ذلك تجد أن الأرزاق تنساق إليه، وأن الأموال تأتي إليه منقادة، وتجد أن بعض الناس يلهث ليلًا ونهارًا ولا يصل إلا إلى القليل، هذه هي أرزاق كتبها الله -سبحانه وتعالى- للعباد كما كتب آجالهم؛ فإنه -سبحانه وتعالى- قد كتب أجل كل عبد ورزقه وشقي أو سعيد (٢)، لكن ليس معنى هذا أن نتقاعس، فقد يقول قائل: ما دام الرزق قد كتب فسوف أضع المخدة وأنام، وهذا لا يصح؛ لأنَّ الأمر كما قالوا: السماء لا تمطر


(١) البيتين لأبي تمام، من البحر الطويل، ينظر: "شرح ديوان أبي تمام" للخطيب التبريزي (٢/ ٨٩).
(٢) هذا معنى حديث أخرجه البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣) عن عبد الله بن مسعود: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق، قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>