للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا حديث عبد الله بن عباس هو واسطة العقد؛ فإنه بين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما نهى عن ذلك لم ينه عنه لعدم جوازه، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وهبه الله -سبحانه وتعالى- كرم الخلق، وأعظم السجايا، وأراد أن يبقى المسلم كريما سخيًّا باذلًا، فمن الخير له أن يدفع أرضه التي لا يحتاج إليها لأخيه المسلم؛ ليتولى سقيها ورعايتها والعناية بها حتى يستفيد، فذلك خير له من أن يأخذ أجرًا عليها، ولذلك يقوله الله -سبحانه وتعالى-: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] فعلامة سلوكك طريق البر ألا تكون بخيلًا، فتبذل أعز ما عندك من المال بنفس طيبة، دون شحٍّ أو بخلٍ، فإذا وصلت إلى هذه الدرجة، وأصبح الريال والدرهم لا قيمة له عندك، في سبيل الخير؛ لا في سبيل التبذير ولا في سبيل الفساد - فذلك دليل سلوك طريق البر.

وقلنا: في سبيل الخير؛ لأن التبذير أمر ممنوع، {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [ألإسراء: ٢٧] لكن أن تبذل المال في سبيل الخير، وأن تراعي من تعول فلا تجعلهم عالة يتكففون الناس، فهذه هي علامة من علامات الصلاح، ومن علامات التقى، ومن علامات قبول العمل إن شاء الله.

ولذلك نرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أشد من الريح؛ يعني كان - صلى الله عليه وسلم - أشد سخاءً من الريح، وكان أكثر ما يكون بذلًا في رمضان (١)، ومعلوم أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير (٢)، فالرسول بذلك


= قد اقتتلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع"، زاد مسدد، فسمع قوله: "لا تكروا المزارع". وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
(١) هذا معنى حديث أخرجه البخاري (٦)، ومسلم (٢٣٠٨) عن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة".
(٢) أخرجه البخاري (٢٩١٦) عن عائشة قالت: "توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعًا من شعير".

<<  <  ج: ص:  >  >>