للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَاءَ". وَالحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ: فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ، انْقَطَعَتْ هَذِهِ الطَّهَارَةُ وَارْتَفَعَتْ، وَبُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ: فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ، لَمْ تَصِحَّ ابْتِدَاءً هَذِهِ الطَّهَارَةُ، وَالأَقْوَى فِي عَضُدِ الجُمْهُورِ هُوَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: "فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ، فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ"، فَإِنَّ الأَمْرَ مَحْمُولٌ عِنْدَ جُمْهُورِ المُتَكَلِّمِينَ عَلَى الفَوْرِ، وَإِنْ كَانَ أَيْضًا قَدْ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الاحْتِمَالُ المُتَقَدِّمُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا).

أَوْرَد المؤلف حجة الجمهور، وهو حديث جابر -رضي الله عنه- (١)، ثم قال: "وَالحَديث مُحْتَملٌ … "، لكن جَاءَ فِي حديث أبي ذرٍّ -رضي الله عنه-: "فإذا وَجدت الماءَ، فأَمسَّه بَشْرتَك" (٢)، أو: "فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ"، وهذا يؤكد على أن الماء يُنْهي التيمُّم في هذه الحالة.

وأما إسنَاد المُؤلِّف حديثَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ، فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ" إلى أبي سعيدٍ، فليس بصحيح، والصحيحُ أنه من حديث أبي ذرٍّ -رضي الله عنه-، وفيه: "الصعيد الطيب وضوء المسلم" (٣).


(١) هذه الرواية التي ذكرها ابن رشد بهذا اللفظ إنما هي من رواية أبي ذر -رضي الله عنه-، ذَكَرَها البوصيري في "إتحاف الخيرة" (٧/ ٥٠)، قال: رواه الحارث بن محمد بن أبي أسامة … قال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرٍّ: "أعطيت خمس خصال لم يعطهن أحد كان قبلي: أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها، وأرسلت إلى الأحمر والأسود من خلقه، ونُصرت بالرعب ولم ينصر به أحد قبلي، يسمع بي القوم وبيني وبينهم مسيرة شهر، فيهربون مني، وأُحلَّت لي الغنائم ولم تحل لأحدٍ كان قبلي، وجُعلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا أينما كنت منها وإن لم أجد الماء تيممت بالصعيد وصليت، فكان لي مسجدًا وطهورًا، ولم يُفْعَل ذلك بأحدٍ كان قبلي".
وأما حديث جابر فهو في "الصحيحين"، بدون قوله: "ما لم يجد الماء".
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٢)، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" (٣٥٨).
(٣) أخرجه أبو داود (٣٣٢)، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" (٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>