ومُرَاد المؤلف أنَّ ما في هذا الباب مِن مسائل هو محاظ فِي مسائل هي أُمَّهات، وليس مرادُهُ أنَّ كلَّ ما في الطهارة من النجَس قد أودعه كتابه، وأفرغه فيه، بَلْ هناك مسائل لم يعرض لها المؤلف، لكنه أخذ أُمَّهاتها وأصولها كما ذكرنا ذلك كثيرًا وفَصَّلناه.
أَيْ: بيان حُكْمِ هذه الطهارة، ونحن عرفنا هناك أنَّ الطهارة من الحدَث شَرطٌ في صِحَّةِ الصلاة، ونأتي لهذه الطهارة من النجس، ما حكمها؟
المؤلف هنا يعطينا كلامًا مجملًا، لا مفصلًا، لأن أنواع النجاسات تختلف باختلافها، فليس بول الإنسان -على سبيل المثال- بمثابة بول الحيوان، وليس بول الحيوان مأكول اللحم بمثابة بول الحيوان غير المأكول، ولذلك وجدنا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر العُرَنيين الذين قدموا من عرين أو عقل أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها (١).
إذًا، فالأمر مختلفٌ هنا" ولذلك سيأتي خلاف العلماء فيما يتعلق بأبوال وأرواث الحيوانات، فما يؤكل لحمه له حكمٌ، وما لا يؤكل لحمه له حكمٌ آخَر.
(١) معنى حديث أخرجه البخاري (٢٣٣) ومسلم (١٦٧١) عن أنس بن مالك، قال: قدم أناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا، قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة، يستسقون فلا يسقون.