للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنَّ ما أقدم عليه أحدهما إنما هي النميمة، والنميمة -كما هو معلوم- من الكبائر، بَلْ هي من أخطر الأمور التي يقَع فيها المسلم، وَلَكن قد يتساهل الإنسان في البول لظنه أن الأمر سهلٌ، فيتساهل فيه، وربما أيضًا قد يَتسَاهل في نقل كلام لزيدٍ ثم يعود، وهو أيضًا ينقل للآخر؛ فهو بذلك قد يُوغِرُ الصدور، ولثيرًا لفتن، ويفرق الكلمة، فبدلًا مِن أن يجمع يفرق، وبدلًا أن يضم الصفوف بعضها إلى بعض، إنما هو بذلك يوزعها؛ فيُوجِد النزاع والاختلاف، وهذا أمر منبوذ حرَّمه الإسلام.

ولذلك، وَرَد في الحديث الصحيح أنَّ الرسولَ -عليه الصلاة والسلام- حذَّر من النميمة، وقَدْ يحسب الإنسان ذلك هينًا، وهو عند الله عظيم.

لذلك، قد جاء في حديث آخر: "لا يَدْخل الجنَّة قتَّاتٌ" (١) يَعْني: نمام (٢).

وفي هذا الحديث: "إنهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبيرٍ، أما أحدُهُما: فكان لا يَسْتنزه من البول".

وفي بعض الرِّوايات: "لَا يَسْتَبرئ من البَول" (٣)، يعني: لا يحتاط في التوقِّي من البول (٤).

"وأمَّا الآخَر، فكان يمشي بالنميمة"، وما أخطر النميمة! وكثيرًا ما يَقع فيها بعض المسلمين، وهي كما قال الله سبحانه وتعالى في قضية الإفك: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)} [النور: ١٥].


(١) أخرجه البخاري (٦٠٥٦) ومسلم (١٠٥).
(٢) "القتات": النمام، يقال: فلَان يَقُت الأحاديث قتًّا، أَي: يَنِمُّها نمًّا. انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (١/ ٣٣٩).
(٣) أخرجه النسائي (٢٠٦٨) وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح النسائي" (٥/ ٢١٢).
(٤) "استبرأ الذكر": طلب براءته من بقية بولٍ فيه بتحريكه ونتره … حتى يعلم أنه لم يبق فيه شيء. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (١٥/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>