للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَائِعِ إِذَا أَمْسَكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ مِنَ الجُمْهُورِ (١)، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَالِكٍ كَالرَّهْنِ. وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ، فَنَفَقَ (٢) فِي يَدِهِ، فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِلْمُرْتَهِنِ: "ذَهَبَ حَقُّكَ" (٣). وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ التُّهْمَةَ تَلْحَقُ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا تَلْحَقُ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ) (٤).

والذي يكون خفي وبعيد عن الأنظار يكون محلّ شبهةٍ وشكٍّ، وأمَّا ما يُشاهَد ويُرى بالعين كالدور والحيوان فالذي يراه الإنسان لا يكون محلَّ شكٍّ.

* قوله: (وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ مَالِكٌ كَثِيرًا، فَضَعَّفَهُ قَوْمٌ، وَقَالُوا: إِنَّهُ مِثْلُ اسْتِحْسَانِ أَبِي حَنِيفَةِ، وَحَدَّدوا الِاسْتِحْسَانَ بِأَنَّهُ قَوْلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ (٥). وَمَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَ مَالِكٍ هُوَ


(١) يُنظر: "شرح مختصر الطحاوي"، للجصاص (٣/ ١٥٥)، قال: " … ومما يدل على ضمان الرهن: أنه محبوس في يد المرتهن لاستيفاء الدين. وفي الأصول: أن الحبس لا يثبت إلا مع تعلق ضمان، ألا ترى أن البيع لما كانت السلعة محبوسة في يده لاستيفاء الثمن، كانت مضمونة عليه".
(٢) قال الخليل الفراهيدي: "نَفَقَتِ الدابة تنفُقُ نُفوقًا؛ أي: ماتت". انظر: "العين" (٥/ ١٧٧).
(٣) أخرجه أبو داود في المراسيل (ص ١٧٢) عن عطاء. وقال عبد الحق الإشبيلي: هذا مرسل وضعيف الإسناد. انظر: "الأحكام الوسطى" (٣/ ٢٧٩).
(٤) دلل أبو الوليد ابن رشد على وجه التفرقة عند مالك، فقال: "والدليل على فساد قول من أوجب على المرتهن ضمان الرهن -كان مما يغاب عليه أو مما لا يغاب عليه. جملة من غير تفصيل، وهو مذهب أبي حنيفة: استصحاب الحال في براءة ذمة المرتهن في الأصل، وثبوت الدين في ذمة الراهن، فعلى مدعي نقل ذلك عما هو عليه في الأصل الدليل … ". انظر: "المقدمات الممهدات" (٢/ ٣٦٩).
(٥) قال أبو الوليد الباجي: "والاستحسان الذي يختلف أهل الأصول في إثباته هو اختيار القول من غير دليل ولا تعليل. وذهب بعض البصريين من أصحاب أبي حنيفةَ،=

<<  <  ج: ص:  >  >>