للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهَذِهِ الاختلَافات التي وَقَعتْ بين العلَماء جَعَلتْ كلًّا يُبيِّن وجهة نَظَره، ويستدلُّ علَى قَوْله، ويُنَاقش دليل الآخر، فَجَاء هذا ورَدَّ، وهكذا … هذه كلها أمورٌ وسَّعَت الفقه الإسلامي، وأعطته من المكانة ما لم تعطِ غيره من أيِّ فقهٍ كان.

* قوله: (أَحَدُهَا: اخْتِلَافُهُمْ فِي قَوْلِهِ تبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤]، هَلْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الحَقِيقَةِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى المَجَازِ؟).

قَضيَّة المجَاز قضيَّة مشهورة (١)، ومِن العُلَماء مَنْ يُنكِرُ وجود المجاز في القرآن (٢)، وأنَّه لا ينبغي أن يقال: إن هناك مجازًا حتى في الآيات التي يأتي فيها، فإنهم يقدرونه فيها محذوفًا، مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، يعني: أهل القرية، وأيضًا: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ}، يعني: ملَك صَالح، وهكَذا الأدلَّة الكثيرة التي يردُّها العلماء يحجبون عنها بأجوبةٍ، ومنهم مَنْ يقول: هذا إيجاز بالحذف وليس مجازًا، لأن القرآن من أسلوبه الإيجاز، وأيضًا من أسلوبه الترخيم، وهو معروف في لغة العرب كما في قراءة: (وَنَادَوْا يا مَلك ليَقْضي علَينا ربُّك)، يعني: يا مالك؛ فيعتبرون هنا أن فيه


(١) ذهب جمهور العلماء إلى أن المجاز واقع في القرآن الكريم، وممن قال بهذا: أبو يعلى الحنبلي، والشيرازي والبزدوي والغزالي وابن قدامة والقرافي وابن الحاجب وغيرهم من الأصوليين، وبه قال عامة علماء العربية والتفسير كابن قتيبة وابن رشيق والزركشي والسيوطي. انظر: "المحصول" للرازي (١/ ٣٢١) "العدة في أصول الفقه" للقاضي أبي يعلى (٢/ ٦٩٥)، و"اللمع في أصل الفقه" للشيرازي (ص ٧) و"المستصفى" للغزالي (ص ٨٤)، و"روضة الناظر" لابن قدامة (١/ ٢٠٦).
ونقل عن الإمام أحمد ما يؤيد القول بوقوع المجاز في القرآن حيث يقول: "أما قوله: " (أنا معكم) فهذا في مجاز اللغة، يقول الرجل للرجل: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك كذا". انظر: "الرد على الجهمية والزنادقة" للإمام أحمد (ص ٩٢).
(٢) وممن نُقِلَ عنه القول بهذا: أبو بكر ابن داود الظاهري، وابن القاص من الشافعية، وابن خويز منداد من المالكية، وابن تيمية وابن القيم من الحنابلة. انظر: "الحقيقة والمجاز في الكتاب والسُّنَّة وعلاقتهما بالأحكام الشرعية" لحسام الدين عفانة (١٢٤)، وهي أطروحة الماجستير له.

<<  <  ج: ص:  >  >>