للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يدعوهم - صلى الله عليه وسلم - إلى الحقِّ، ويخرجهم مِن الظُّلمات إلى النور، وهم يُعَاملونه بهذه القسوة، وبهذه الغلظة، لكنه كما قال الله سبحانه وتعالى فيه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].

وقَالَ عنه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

وَقَالَ في آخِرِ سورَة (الأعراف): {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩]؛ فَهَذَا هو المنهجُ الذي يَنْبغي أن يسلكَه كلُّ داعية في هذه الحياة؛ لأنَّ قدوتَنا في ذلك هو رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْن مَأْمُورُون بأن نقتدي به، وأن نجعله أُسْوةً لنا، كما في سورة (الأحزاب): {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١]، فَهو كان يدعو الله سبحانه وتعالى على بصيرةٍ، وعلى علمٍ ومعرفةٍ وإدراكٍ لِمَا يدعو وبما يدعو إليه، وكَذَلك كان حكيمًا في دعوته، وكان متأنِّيًا في ذلك، وهَكَذا شأن الدُّعاة، فكل دَاعِيَةٍ يَسْلك طريق الرشد والحكمة والتأني، فإنه في النهاية يأخذ بمجامع القلوب، ويؤثر فيها، ويترك أثرًا طيبًا في نفوس النَّاس.

وَكَمْ رأينا مِنْ أُنَاسٍ تحسَّنت أحوالهم، واستقَامت أمورهم نتيجة وجود دعاة استطاعوا أن ينفذوا إلى لُبِّ قلوبهم، فيؤثروا فيها عن طريق الموعظة الحسَنة، والحكمة الطيبة، ولذلك تَحسَّنت، لكن الداعية عندما يقابل من يدعوه بالغلظة والقسوة، فإنه قد ينفر من دعوته، وقد ينعكس الأمر.

إذًا، نحن مطالبون بذَلكَ، وكلُّ طَالِب من طلاب العلم هو في الحقيقة مهيأ لِأَنْ يكون داعيةً، فالمدرس داعية، والمفتي داعية، ومَن يشتغل في مجال الدعوة داعية، وكلنا راعٍ، وكل واحدٍ منا مسؤول عن


= يقوم إلى سَلَى جزور بني فلان، فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا … الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>