للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رعيته، وما أحسنَ الحكمة! ولا يعرف أثر الحكمة وتأثيرها في الناس إلَّا مَن جرَّبها.

* قوله: (وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي الأَمْرِ وَالنَّهْيِ الوَارِدِ لِعِلَّةٍ مَعْقُولَةِ المَعْنَى).

العِلَّةُ تَتكَرَّر معنا معقولة المعنى (١)، أو غير مَعْقولة المعنى (٢)، فإذا قالوا: مَعْقولة المعنى، فإنهم يعنون أن ندركها بالعقل، فلَوْ كان علَى ثوبك نجاسة تظهر لك، وعلَى البدن فنَظَّفتة، وهذه معقولة المعنى، أمَّا بالنسبة للطَّهارة من الحَدَث، فهذه عبادةٌ غير معقولة المعنى، وعندما تأتي إذا عدمت الماء أو عجزت عن استعماله؛ تنتقل إلى التراب، وهو على ضد الماء بالنسبة للنظافة، عبادة غير معقولة المعنى، فَهَل النجاسة غير معقولة المعنى؟ هذا هو ظاهرها؛ لأن القصدَ منها إنما هو النظافة، وأنَّ معنى النجاسة إنَّما هي الاستقذار أو القذارة، والاستقذار إنما يُزَال ويُنظَّف، والنظافة في الأصل إنما تكون بالماء.

إذًا، هو مُرَاده أنَّ هناك عبادة مَعْقولة المعنى يدركها الإنسان بعقله، أو هي معروفة العلة والحكمة، وعبادة غير معقولة المعنى، يعني: لا تدركها بعقلك، وإنما تقول: عبادة توقيفية يجب عليك أن تسلم لها، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: ٥١] (٣).


(١) هي الأحكام التي لم يستأثر الله بعلم عللها، بل أرشد العقول إلى عللها بنصوص أو بدلائل أُخرى أقامها للاهتداء بها. انظر: "علم أصول الفقه" لعبد الوهاب خلاف (ص ٦٢).
(٢) وهي الأحكام التي استأثر الله بعلم عللها، ولم يمهد السبيل إلى إدراك هذه العلل ليبلو عباده ويختبرهم: هل يمتثلون وينفذون ولو لم يدركوا ما بني عليه الحكم من علة، وتُسمَّى هذه الأحكام: التَّعبدية. انظر: "علم أصول الفقه" لعبد الوهاب خلاف (ص ٦٢).
(٣) يُنظر: "قواطع الأدلة في الأصول" لأبي المظفر السمعاني (٢/ ١٢٤) حيث قال: "الَّذي ذهب إليه جماهير العلماء مع التزام القياس والقول به أن طهارة الحدث ليست بمعقولة المعنى". وانظر: "البرهان في أصول الفقه" للجويني (٢/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>