للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَأَمَّا الآثَارُ المُتَعَارِضَةُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهَا حَدِيثُ صَاحِبَيِ القَبْرِ المَشْهُورُ، وَقَوْلُهُ فِيهِمَا - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَان، وَمَا يُعَذَّبَان فِي كبِيرٍ" (١).

يَعْني: مَعْنى هذا أنَّ الإنسان الذي لا يستنزه من البول، أو لا يستبرئ من البول، فيَبْقى على بَدَنه شيءٌ منه فيصلي، فقد عرض نفسه للعقَاب، فالإنسان لا يُعَاقب إلا على ترك واجب، لأنَّ الإنْسَانَ لَا يُعَاقب على ترك سُنَّةٍ، أو على ترك نافلةٍ، وإنما يعاقبً على ترك أمر مفروض واجب عليه، فإما أن يرتكب منهيًّا ويعاقب عليه، أو يترك واجبًا فيعاقب على تركه، لكن لا يعاقب على ترك سُنَّة، وإنما يفوته الثواب في ترك ذلك.

* قوله: ("أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ"، فَظَاهِرُ هَذَا الحَدِيثِ يَقْتَضِي الوُجُوبَ؛ لأنَّ العَذَابَ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالوَاجِبِ، وَأَمَّا المُعَارِضُ لِذَلِكَ، فَمَا ثَبَتَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مِنْ أَنَّهُ رُمِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ سَلَا جَزُورٍ بِالدَّمِ وَالفَرْثِ، فَلَمْ يَقْطَعِ الصَّلَاةَ (٢). وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةً كَوُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنَ الحَدَثِ، لَقَطَعَ الصَّلَاةَ).

مَعْلومٌ الكَلَام فيما يتعلَّق بالأذى، عندما استشَار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه في أسرَى بدرٍ (٣)، وكان الله سبحانه وتعالى قَدْ نصر المؤمنين، ومَكَّنهم من أعدائهم


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه مسلم (١٧٦٣) وفيه: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: "ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ "، فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ترى يابن الخطاب؟ "، قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنَّا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنِّي من فلان نسيبًا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهَوِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت … وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}، فأحل الله الغنيمة لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>