حتى إنه وقع في أيدي المسلمين عددٌ كبيرٌ من الأسرَى حتى إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - استشار أصحابَه، فكان رأي أبي بكرٍ - رضي الله عنه - أن تؤخذ منهم الفدى، وكان رأي عمر - رضي الله عنه - أن تقطع رقابهم، وذكر العلة أنهم قومٌ آذَوْا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخرجوه والمؤمنين، وذكر الأسباب الكثيرة في ذلك، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحكمته مَالَ إلى رأي أبي بكرٍ، ومع ذلك عاتبه الله سبحانه وتعالى بقوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)} [الأنفال: ٦٧].
هَذَا الحَديثُ الذي أشَارَ إليه المؤلف اختزلَه، ولم يأت بتمامه، وهو "أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بنعليه، فأتاه جبريل، فأخْبَره أن فيهما قذرًا، فخلعهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - " (١)، ولأنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا أسرعَ النَّاس استجابةً وامتثالًا واقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخلعوا نعالهم؛ لأنهم ظنوا أن تلك شريعة، وأنه أمر ينبغي التزامه، فبيَّن لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا جاء أحدُكُم إلى المسجد فليقلب نعليه، فإن رأى فيهما خَبثًا فَلْيَمْسَحهما في الأرض، ثم يصلي فيهما".
لَكن هذَا الحَديث فيه كلامٌ مشهورٌ للعلماء، فمنهم مَن صحَّحه
(١) أخرجه أبو داود (٦٥٠) وغيره، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: بينما رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القومُ، ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، قال: "ما حَملَكم على إلقاء نعالكم؟ "، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن جبريل - صلى الله عليه وسلم - أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا"، أو قال: "أذى"، وقال: "إذا جَاءَ أحدكم إلى المسجد فلينظر، فَإِنْ رأى في نعليه قذرًا أو أذًى فليمسحه وليصلّ فيهما"، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "المشكاة" (٧٦٦).