للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجابوا عن الحديث الذي احتج به أبو حنيفة، وقد أخرجه الدارقطني في "سننه" بأنَّه حديث فيه مقال، قالوا: ولو سلمنا أيضًا لهذا الحديث، فإنَّه يُحْمل على الموسر لا على المعسر - الإنسان الذي يكون عنده مال ويماطل، أي: لا يعطي أصحاب الحقوق حقوقهم - وقَدْ وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "مطل الغني ظلم" (١).

إذًا، لا شكَّ أن مذهب جمهور العلماء هو الراجح في هذه المسألة، وهو الذي يلتقي مع روح هذه الشريعة، وهو أيسر.

قَوْله: (وَإِنَّمَا صَارَ الكُلُّ إلى القَوْلِ بِالحَبْسِ فِي الدُّيُونِ، وَإِنْ كانَ لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ فِي اسْتِيفَاءِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى القَوْلِ بِالقِيَاسِ الَّذِي يَقْتَضِي المَصْلَحَةَ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالقِيَاسِ المُرْسَلِ (٢). وَقَدْ رُوِيَ: " أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ "، خَرَّجَهُ فِيمَا أَحْسَبُ أَبُو دَاوُدَ (٣)).

وكذا خرَّجه الترمذي (٤)، وغيرهما.

قوله: (وَالمَحْجُورُونَ عِنْدَ مَالِكٍ: السُّفَهَاءُ) (٥).

والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥].


(١) تقدم تخريجه.
(٢) وهو ما يُسمَّى الاستحسان، وهو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص. يُنظر: "شرح مختصر الروضة" للطوفي (٣/ ١٩٧).
(٣) أخرجه أبو داود (٣٦٣٠)، وحسَّنه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (٢٣٩٧).
(٤) أخرجه الترمذي (١٤١٧)، وقال: حديث حسن، والنسائي (٤٨٧٦)، عَنْ بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلًا في تهمة، ثم خلى عنه ".
(٥) يُنظر: "التاج والإكليل" للمواق (٦/ ٦٣١): "وأسبابه سبعة: الصبا والجنون والرق والتبذير والفلس والمرض والنكاح في حق الزوجة".

<<  <  ج: ص:  >  >>