للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وَأَمَّا إِن ارْتَفَعَ المَكْرُوهُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ فَيُنْكِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ يَصْطَلِحَان عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ قِبَلَهُ إِلَى أَجَلٍ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ مَكْرُوهٌ. أَمَّا كَرَاهِيَتُهُ: فَمَخَافَةُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَادِقًا، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَنْظَرَ صَاحِبَهُ لِإِنْظَارِ الآخَرِ إِيَّاهُ، فَيَدْخُلُهُ أَسْلِفْنِي، وَأُسْلِفْكَ).

ثم ذكر صورة من المصالحة على الإنكار، كل من الطرفين لا يلازمه المحظور الربوي؛ لأنه ينكر ما يقول صاحبه (١)، وبالتالي يرى أنه يهبه لا أنه يعاوضه معاوضة ربوية، ومع ذلك، فقد كرهوا هذه المعاملة، ووجه الكراهة: أن فيه شبهًا من تعليق عقد القرض على عقد قرض آخر. ومعلوم أن المالكية أشد المذاهب في منع ذرائع الربا.

قوله: (وَأَمَّا وَجْهُ جَوَازِهِ: فَلأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنَّمَا يَقُولُ: مَا فَعَلْتُ إِنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ مِنِّي، وَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَيَّ شَيءٌ، وَهَذَا النَّحْوُ مِنَ


= الحكم؛ لأنه سلف جر منفعة، فالسلف التأخير، والمنفعة سقوط اليمين المنقلبة على المدعي بتقدير نكول المدعى عليه، أو حفظ الحق عن السقوط بحلف المدعى عليه فهذا ممنوع عند الإمام وجائز عند ابن القاسم وأصبغ.
ومثال ما يمتنع على دعواهما: أن يدعي عليه بدراهم وطعام من بيع فيعترف بالطعام وينكر الدراهم فيصالحه بطعام مؤجل أكثر من طعامه، أو يعترف بالدراهم ويصالحه بدنانير مؤجلة أو بدراهم أكثر من دراهمه، فحكى ابن رشد الاتفاق على فساده وفسخه لأنه سلف بزيادة أو صرف مؤخر".
(١) هذا بالنسبة للحكم الظاهر، وأما في الباطن، فمن علم كذب نفسه لم يحل له ما أخذ. يُنظر: "منح الجليل شرح مختصر خليل" لعليش (٦/ ١٤٦). حيث قال: " (ولا يحل) المال المصالح به (للظالم) فيما بينه وبين الله تعالى فذمته مشغولة به للمظلوم، وظاهر كلامه ولو حكم له به حاكم يراه وهو ظاهر؛ إذ قوله للظالم يشعر بأن الحكم وقع فيما ظاهره يخالف باطنه فهو موافق لقوله في القضاء لا أحل حرامًا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>