للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأيضًا عند أبي حنيفة (١) وأحمد (٢).

ونُبين هنا: لماذا اختلف العلماء في هذه المسألة، ولماذا انفرد الإمام الشافعي -رحمه الله- بقوله: "لا تصح كفالة المجهول؟ ".

أما الشافعيُّ: فقد علَّلَ بأنه مالٌ لازم، ولا يصح أن يكون مجهولًا كالبيع؛ لأنه هنا الْتزَم بمال؛ فَلا يصح أن يكون مجهولًا قياسًا على البيع.

وأمما جمهور العلماء: فاحتجوا بقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢].

وجه الدلالة من ذلك: أنَّ حمل البعير مقدر تقديرًا دقيقًا؛ وهذا هو محل الخلاف.

فجمهور العلماء يقولون: حمل البعير غير معلوم القدر تمامًا، ثم إن أحمال الإبل تختلف، فربما يكون هذا البعير حِمْله أكثر، وربما يكون هذا دون ذلك وهذا يكون متوسطًا؛ لذلك فالأمر غير منضبط، وهو مجهول في الحقيقة.

فجوَّزوا أن يكون مجهولًا، ولأنه أيضًا الْتِزام في الذمة، أيْ: إنسانٌ التزم حقًّا في ذمته، وكان من غير عِوَض؛ فجاز أيضًا أن يكون مجهولًا قياسًا على النظر؛ لأن الإنسان عندما يقول: "نَذَرْتُ أن أتصدَّق" لم يحدده، وكذلك أيضًا في الإقرار.


(١) يُنظر: "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (٧/ ٢٠٧) حيث قال: "ومن كفل عن رجل بألف عليه بأمره فقضاه الألف قبل أن يعطيه صاحب المال فليس له أن يرجع فيها؛ لأنه تعلق به حق القابض على احتمال قضائه الدين فلا يجوز المطالبة ما بقي هذا الاحتمال، كمن عجل زكاته ودفعها إلى الساعي ".
(٢) يُنظر: "مطالب أولي النهى" للرحيباني (٣/ ٣٠٠) حيث قال: "ولا تعتبر معرفة (وجوبه)؛ أي: الحق (إن آل إليها)؛ أي: إلى العلم والوجوب؛ فيصح ضمان ما لم يجب إذا آل إلى الوجوب لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>