للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] والصلاة فُرضَت قبل الهجرة بسنة، فهل كان الوضوء موجودًا ولم يكن واجبًا، أو أنه كان واجبًا وأكَّدته سورة (المائدة)، فهذا كلام مرَّ بنا مفصلًا.

* قوله: (فَمَنْ ذَهَبَ فِي هَذِهِ الآثَارِ مَذْهَبَ تَرْجِيحِ الظَّوَاهِرِ قَالَ: إِمَّا بِالوُجُوبِ إِنْ رَجَّحَ ظَاهِرَ حَدِيثِ الوُجُوبِ).

يَقُولُ المؤلِّف: كلُّ حُجَّة لها ظاهر، فهل نأخذ بحديث: "إنَّهما ليُعذَّبان … "، وَحَديث أسماء: "تحتُّه ثم تَقْرصه"، إلى آخر الحديث، فنأخذ بظَوَاهرها ونقول: إنَّ النجاسَة جملةً وتفصيلًا مقطوعٌ بنجاستها؟ أَوْ نأخذ بظَواهر الأحَاديث الأُخرَى، كحَديث وَضْع سَلَى الجَزور، وما يَتَعلَّق بالنعلين وفَرْكهما؛ فنقول: لَيْست بنَجِسَةٍ.

كَذَلك أيضًا التي تطيل ذيلها وتمرُّ به في الطريق، ولا شكَّ أن العلَماء ذَكَروا أمورًا مُخفَّفةً من النجاسات، فالطين الَّذي في الشَّوارع -على سبيل المثال- يقول العلماء: إنه مما خُفِّف، وسيمر معنا كلام الشافعي حول الذباب (١)، لأنه يرى أن ما لا نفسَ له سائلة يعفى عنه، والجمهور يرى أنه نجس (٢)، وهو يعلل في ذلك، لكنه يقول: الذباب


= الوضوء إلا بالمدينة في سورة النساء وفي سورة المائدة، ولم يأت قط أثر بأن الوضوء كان فرضًا بمكة، فإذ ذلك كذلك، فالوضوء بالنبيذ كلا وضوءٍ، فسقط التعلق به لو صح".
ويُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٢٣٢، ٢٣٣) حيث قال: "وتمسك بهذه الآية من قال: إن الوضوء أول ما فرض بالمدينة، فأما ما قبل ذلك، فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السِّير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بمكة، كما فرضت الصلاة، وأنه لم يصل قط إلا بوضوءٍ، قال: وهذا مما لا يجهله عالم".
(١) يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٤٠٨) حيث قال: " (و) يُعْفى (عن قليل دم البراغيث) … (وَوَنِيم الذباب)، وهو بفتح الواو وكسر النون: ذرقه وغير ذلك مما لا نفس له سائلة كما في المجموع؛ لأن ما ذكر مما تعم به البلوى، ويشق الاحتراز عنه".
(٢) اختلَف العلماء في الحيوان الذي لا دمَ له، فمذهب الجمهور (الحنفية والمالكية=

<<  <  ج: ص:  >  >>