للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعادها، فلا ضمان عليه، وأكثر الفقهاء يرون بأنه تصرف تصرفًا غير مشروع، فإن تلفت فإنه يضمن.

ومنَ المعلوم أن مَنْ وُضِعَتْ عنده أمانة ثم أخرجها فأنفقها، فقد وضع نفسه موضع الشُّبهة، فكونه أنفقها فقد صار محل شبهة، وفي الحديث: "دع ما يَريبك إلى ما لَا يريبك" (١)، وربما يُرَى في حالة إخراجها، فيكون ذلك حافزًا ودافعًا للتعدي عليه.

قوله: (وَمِنْهَا: اخْتِلَافُهُمْ فِي السَّفَرِ بِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: "لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إِلَّا أَنْ تُعْطَى لَهُ فِي سَفَرٍ" (٢)، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُ الوَدِيعَةِ") (٣).

ويُقيَّد الأَمْرُ عند الإمامين، فيسافر بها إذا كان الطريق آمنًا غير مخوفٍ، أما إذا كان الطريق مخوفًا كأن يكون فيه لصوصٌ أو غير ذلك، فلا ينبغي أن يسافر بها؛ لأنه يعرِّضها بذلك للخطر، ويغامر بها، فعليه أن يردها إلى صاحبها، فإن لَمْ يجد صاحبها، ردَّها إلى وكيله القابض، فإن لم يجده، سلَّمها إلى الحاكم، فإن لم يستطع وضعها عند ثِقَةٍ.

قوله: (وَمِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُودَعِ عِنْدَهُ أَنْ يُودِعَ الوَدِيعَةَ غَيْرَهُ مِنْ


(١) جزء من حديث أخرجه الترمذي (٢٥١٨)، وغيره عن الحسن بن علي قال: حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٢).
(٢) يُنظر: "الشرح الكبير وحاشية الدسوقي" للدردير (٣/ ٤٢٠ - ٤٢١) قال: "وتضمن … أو سفره بها، أي: الوديعة إن قدر على إيداعها عند أمين، وإلا فلا ضمان إلا أن ترد من الانتفاع بها، أو من السفر بها سالمة لموضع إيداعها، ثم تلفت بعد بلا تفريط فلا ضمان ".
(٣) ينظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" للحصكفي (٥/ ٦٧١) قال: "والمودع له السفر بها، ولو لها حمل درر عند عدم نهي المالك وعدم الخوف عليها بالإخراج فلو نهاه، وأخاف فإن له بد من السفر ضمن وإلا فإن سافر بنفسه ضمن وبأهله لا اختيار".

<<  <  ج: ص:  >  >>