للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شكَّ أن التعدي على حقوق الإنسان وأَكْلها بالباطل من أيِّ إنسان كان من أخطر الأمور، وأعظم الذنوب، قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨].

وقال عليه الصلاة والسلام: "من اقتطع شبرًا من أَرْضٍ، طوقه الله سبع أراضين يوم القيامة" (١)، وهذا في الغصب، وهناك شَبهٌ بينه وبين هذه المسألة، فإذا وضع إنسانٌ مبلغًا من المال عند آخر وديعةً، فأخذ الآخر من ذلك المال فاتَّجر به ثم ربح من ذلك المال، ففيها أمران: أصل المال وربحه، فهل يرد أصل المال إلى صاحبه مع أنه تصرف فيه تصرفَ فضوليٍّ دون أن يستأذنه؟ أو يردهما معًا؟

قوله: (فَقَالَ مَالِكٌ (٢)، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو يُوسُفَ (٣) وَجَمَاعَةٌ (٤): "إِذَا رَدَّ المَالَ، طَابَ لَهُ الرِّبْحُ، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا لِلْمَالِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْدَعًا عِنْدَهُ").

ويشبه الأئمة هذه المسألة بمسألة الغصب كما مرَّ التنبيه عليه، ولذلك بعض العلماء لا يذكر هذه المسألة في هذا الباب، وإنما يَذْكرها في باب


(١) أخرجه البخاري (٣١٩٨)، ومسلم (١٦١٠)، واللفظ له عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين ".
(٢) يُنظر: "الشرح الكبير وحاشية الدسوقي" للدردير (٣/ ٤٢١) قال: "والربح الحاصل من التجارة له أي للمودع بالفتح فإن كانت الوديعة نقدًا، أو مثليًّا فلربها المثل، وإن كانت عرضًا وفات فلربه قيمته، وإن كانت قائمة فربها مخير بين أخذ سلعته ورد البيع وبين إمضائه، وأخذ ما بيعت به ".
(٣) يُنظر: "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" لشيخي زاده (٢/ ٣٤٢) قال: "وعند أبي يوسف يطيب له الربح إذا أدى الضمان أو سلم عينها بأن باعها، ثم اشتراها ودفع إلى مالكها ودليل الطرفين بين في البيع ".
(٤) يُنظر: "الإشراف" لابن المنذر (٦/ ٣٣٦) قال: "وقالت طائفة: الربح كله للعامل، ورينا ذلك عن شريح، والحسن البصري، وعطاء بن أبي، رباح، والشعبي، ويحيى الأنصاري، وربيعة، وهو قول مالك، والثوري، وقال الثوري: يتنزه عنه أحب إلي ".

<<  <  ج: ص:  >  >>