للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدلُّ على ذلك أنه وردت عدةُ أحاديثَ تُخصِّص هذه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣].

وَثَبتَ عن الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أُحلَّتْ لنا مَيْتتان ودَمَان، والميتتان هما: السَّمك والجراد، أما الدَّمان فهما: الكبد والطحال" (١).

وهنا استثناءٌ أيضًا، وهو حديث عبد الله بن أبي أوفَى المتفق عليه: "غزَوْنَا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكُلُ الجراد" (٢).

إذًا، الآية ليست علَى عمومها، بَلْ هي عامَّة خُصَّتْ، فلَيْست على العموم وأريد الخصوص، إنما هو عامٌّ مخصوص (٣).

قوله: (أَحْسَبُ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مِنْ بَابِ العَامِّ أُرِيدَ بِهِ الخَاصُّ).

أيْ: عامّ جاءت أدلة أُخرى فخَصَّصته، وهذه من القضايا المهمة التي ينبغي أن ينتبه لها في قراءة هذا الكتاب وأمثاله؛ لأن الكتب القديمة تحتاج إلى وقفاتٍ وتدقيقاتٍ، وإلى نظر وإمعان من الدارس لها، وليس مجرد متصفح.

قوله: (وَاخْتَلَفُوا أَيُّ خَاصٍّ أُرِيدَ بِهِ، فَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَيْتَةَ البَحْرِ، وَمَا لَا دَمَ لَهُ).

عرفنا أن الذين استثنوا ميتة البحر، وما لا دمَ له، هم الفريق الأول: المالكيَّة والحنَابلة.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٥٤٩٥) ومسلم (١٩٥٢) واللفظ له.
(٣) الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص، يُنظر: "الحاوي الكبير" (٥/ ٨) حيث قال: "والفرق بينهما من وجهين، أحدهما: هو أن العموم المطلق الذي يجري على عمومه وإنْ دخله التخصيص ما يكون المراد باللفظ أكثر، وما ليس بمراد باللفظ أقل، والعموم الذي أريد به الخصوص ما يكون المراد باللفظ أقل، وما ليس بمراد باللفظ أكثر. والفرق الثاني: أن البيان فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ، وفيما أرليد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به ". وانظر: "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ٣٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>