للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاسوا الهبة على الوصية؛ فالمريض ليس له أن يَهبَ أكثر من الثلث قياسًا على الوصية، فليس هناك نصٌّ في أنَّ الهبة تُقيَّد بالثلث، ولكنَّهم قاسوها على الوصيَّة.

قوله: (أَعْنِي: الْهِبَةَ التَّامَّةَ بِشُرُوطِهَا).

أن يَكونَ جَائز التصرف فلا يكونُ صغيرًا، ولا يكون مجنونًا، ولا يكون محجورًا عليه لحظ نفسه (١)، لقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥]. {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦]، أي: غير المكلف ليس له أن يَهب حتى وإن وافق وليُّ أمره، فليس لوليِّ الصبي أن يُوافق على أن يتبرع بماله؛ لأنه محجور عليه لحظ نفسه، ومثله تمامًا المحجور عليه لسفهٍ؛ أي: لعدم الرشد في التصرف في المال، وإن كان كبيرًا، وكذلك الذي يُحجَر عليه لفلس، وإن كان إنسانٌ أفلس فيُحجر عليه، فليس له أن يُهدي أمواله أو بعضًا منها؛ لأنها تعلَّقت بها حقوقُ الآخرين (٢).


=ثم صحَّ منه ومات من غيره، كانت الهبة جائزة؛ لأن تعقب الصحة يمنع من أن يكون ما يقدمه وصية، فأما إذا وهب لأجنبي في مرضه الذي مات منه، هبة فإن لم يقبضها حتى مات: فالهبة باطلة؛ لأنها لا تتم إلا بالقبض، وإن أقبضه قبل الموت: صحت الهبة، وكانت من الثلث، تمضي إن احتملها الثلث، ويرد منها ما عجز الثلث عنه، وهكذا لو وهب في صحته، وأقبض في مرضه، كانت في ثلثه؛ لأنها بالقبض في الموصى، فصارت هبة في المرض ".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٤/ ٣٢٨) قال: "حكم العطية في مرض الموت حكم الوصية في أشياء كما تقدم منها أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث، أو إجازة الورثة ومنها: أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة الورثة ومنها: أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة ومنها: أنها تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا، ومنها: أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده ".
(١) تقدَّم نقل أقوال الفقهاء في ذلك أول كتاب الهبة.
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" للحصكفي (٦/ ١٤٥ - ١٤٦) قال: "ومن عقد عقدًا يدور بين نفع وضر كما سيجيء في المأذون، منهم:=

<<  <  ج: ص:  >  >>