للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل ليُشهده قال: "لا أشهد على جور" (١)، وقال: "سووا بين أولادكم" (٢)، وقال: "اعدلوا بين أولادكم" (٣)، وجمهور العلماء يرون أن ذلك مكروه لكنَّه جائز، وبعضهم يرى أن ذلك لا يجوز (٤)، والذين قالوا بعدم الجواز عللوا بعدة أدلة، منها: أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قد حَثَّ على صلة الرحم وحذَّر من قطيعتها، قال سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)} [محمد: ٢٢]. وكذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقوق (٥)، فلا يجوز للإنسان أن يَعق وحثَّ على البر، وبيَّن مدى مكانة الوالدين، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣]، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: ٣٦].

واستدلُّوا كذلك: بأنَّ ما كان وسيلة إلى واجبٍ فهو واجبٌ، وما أدَّى إلى مُحرَّم فهو مُحرَّم، وأن تفضيل بعض الأولاد على بعض قد يؤدي إلى قطيعة الرَّحم فيفرُّ بعضهم من بعض، وقد يَقطع هذا الولد صلتَه بأبيه فيكونُ الأب قد تسبَّب في قطيعة رحمٍ؛ فيحصل العقوق، وهذا لا يجوز، فيجب أن يُسدَّ هذا الباب.


(١) أخرجه البخاري (٢٦٥٠)، ومسلم (١٦٢٣/ ١٤، ١٥)، واللفظ له عن النعمان بن بشير، أن أمه بنت رواحة، سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ " قال: نعم، فقال: "أكلهم وهبت له مثل هذا؟ " قال: لا، قال: "فلا تشهدني إذًا، فإني لا أشهد على جور".
(٢) أخرجه الحارث كما في "بغية الباحث" (١/ ٥١٢)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١١/ ٣٥٤) عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلًا لفضلت النساء"، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (٣٤٠).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم ذكر أقوالهم.
(٥) أخرجه البخاري (٢٦٥٣)، ومسلم (٨٨/ ١٤٤) عن أنس، قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكبائر، قال: "الإشراك با لله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور".

<<  <  ج: ص:  >  >>