للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الدلالة: أنه أمرها بردِّها؛ لأنها ما قبضتها، قالوا: وفعل ذلك عمر - رضي الله عنه - أيضًا عندما نحل ابنه عاصم؛ أي: وهبه دون غيره من الأولاد.

قوله: (فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ، مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ).

"احتزتيه "؛ أي: أخذتيه لحوزتك وقبضتيه (١)، يقول الجمهور: فلو أنها قبضته لكانت قد استحقته، لكنها تركته دون قبض؛ ولذلك رجع أبو بكر - رضي الله عنه - في ذلك وذكر لها أن لها أخوين وأختين.

قوله: (قَالُوا: وَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُرَادُ بِهِ النَّدْبُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: "أَلَسْتَ تُرِيدُ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ وَاللُّطْفِ سَوَاءً؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي" (٢).

أخذ الجمهور من هذا أنه يدلُّ على عدم الوجوب؛ لأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: تريد أن يكون لك في البر سواء، وأحوج ما يكون الأب إذا تقدَّمت به السِنُّ؛ لأنَّه يعود وكأنَّه صغير يحتاج إلى الخدمة والرعاية والعناية، فإذا كان قد عدل بين أولاده فسيكون أحرى أن يقوم الأولاد بذلك، ولا شكَّ أنَّ من الأولاد من لا يهتم بذلك، ويُدركُون مكانة الأب وقيمته وأنَّه ينبغي أن يَبر به، وإذا كانت صلته بأبيه المشرك لا تنقطع فكيف بأبيه المسلم حتى ولو جار في الهبة.


(١) يحوز: يجمع، حازه يحوزه إذا قبضه وملكه واستبد به. انظر: "النهاية" لابن الأثير (١/ ٤٥٩).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٥٤٢)، وصححه الألباني على شرط مسلم في "غاية المرام" (ص ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>