للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَهُ؛ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (١): يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَهُ إِلَّا مَا وَهَبَ لِذِي مَحْرَمٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ).

وَالمَحْرَم هي التي تحرم عليه، فإنه في هذه الحالة ليس له أن يرجع.

قوله: (وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الهِبَةَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ (أَيْ: وَجْهُ اللَّهِ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الرُّجُوعُ فِيهَا) (٢).

لأنه لا يجوز للمسلم أن يتصدق بصَدَقةٍ يقصد بها وجه الله -سبحانه وتعالى-، ويريد الثواب عليها في الآخرة، ويسعى بأن يرفعه الله -سبحانه وتعالى- بها درجاتٍ، وأن يحط عنه بسببها سَيِّئاتٍ، ثم تضعف نفسه، وتكسر همته، ويتراجع عن هبته، فعلى الانسان أن يبذل، وأن يكون كريمًا، وألا يبخل فيما ينفقه في سبيل الله -سبحانه وتعالى-؛ سواء كان ذلك عن طريق الصدقات أو الهبات أو فعل المعروف، فَإنَّ ذلك من أجل أن يتقرب به العبد إلى الله -سبحانه وتعالى-: "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويديه التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه" (٣).


= رُجُوع لها، وكذلك لا رجوع لها فيما وهبت لولدها الكبار، كان أبوهم حيًّا أو لم يكن.
(١) مذهب الحنفية أنه لا يجوز للواهب الرجوع في هبته بعد القبض إذا كان الموهوب له ذا رحم محرم من الواهب. يُنظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي" للمرغيناني (٣/ ٢٢٥) قال: "وإذا وهب هبةً لأجنبي، فله الرجوع فيها"، وقال الشافعي: لا رجوع فيها.
وقال أيضًا في "الهداية" (٣/ ٢٢٦) قال: "وإن وَهَب هبةً لذي رحم محرم منه، فلا رجوعَ فيها"؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا كانت الهبة لذي رحم محرم منه لم يرجع فيها"؛ ولأن المقصودَ فيها صلة الرحم وقد حصل.
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٢٣٦) قال: قال أبو عمر: ولا أعلم خلافًا بين العلماء أن الصدقة لا رجوع فيها للمتصدق بها وكل ما أريد به -من الهبات- وجه الله تعالى بأنها تجري مجرى الصدقة في تحريم الرجوع فيها.
(٣) جزء من حديثٍ أخرجه البخاري (٦٥٠٢) ولفظه: "إنَّ اللهَ قال: مَنْ عادى لي وليًّا =

<<  <  ج: ص:  >  >>