للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعود في قيئه" (١)، فالرجل لم يقم على خدمته، ولم يوفر له ما يحتاجه من مطعم، ولذلك قال عمر -رضي الله عنه-: أضاعه.

وقال بعض العلماء (٢): إنه لم يعرف قَدْر هذا الفرس، ولكن أشهرها أن القصد من إضاعتها له أنه لم يقم عليها كما ينبغي، فأراد عمر -رضي الله عنه- أن يستردَّه، وأن يَشْتريه، ولما رأى أن ذلكم الرجل غير عابئٍ به، وغير مهتمٍّ به، ورأى أنه سيبيعه برخص، قال: وظننت أنه بائعه برخص، لكن عمر -رضي الله عنه- تقيٌّ ورع، أراد أن يعرف الحكم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له رَسُولُ الله: "لا تَشْتره ولو أعطاه لك بدرهمٍ واحدٍ؛ لأنَّ العائدَ في صدقته كالعائد في قيئه "، أو "كالكلب يعود في قيئه ".

* قولُهُ: (قَالَ القَاضِي (٣): وَالرُّجُوعُ فِي الهِبَةِ لَيْسَ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ، وَالشَّارعُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِنَّمَا بُعِثَ لِيُتَمِّمَ مَحَاسِنَ الأَخْلَاقِ (٤)، وَهَذَا القَدْرُ كَافٍ فِي هَذَا البَابِ).

لأنَّ المسلمَ ينبغي أن يكون جوادًا، وينبغي أن يكون سخيًّا، إذا أخرج شيئًا ينبغي أن يُخْرجه عن طيب نفسٍ، وأن يخرجه عن رضًا، وألا تكون نفسه معلقةً به، فإذا وهب هبةً، أو أعطى عطيةً، أو تصدق بعمل من الأعمال، فإنه بذلك يريد الخير، فلا ينبغي أن يكون صدره ضيقًا؛ لأن الله تعالى يقول: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، بل على الإنسان إذا


(١) انظر ما قبله.
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٥/ ٢٣٦، ٢٣٧).
(٣) هو: (ابن رشد) المصنف، ويحتمل أن يكون القاضي عبد الوهاب.
نقل اللخمي في "التبصرة" (٧/ ٣٤٧٥) كلامًا قريبًا من كلام ابن رشد قال: قال أبو محمد عبد الوهاب: يكره ذلك: لأن الموهوب أو المتصدق عليه قد يستحي فيسامحه فيها، فيكون رجوعًا في ذلك القدر، وهذا أحسن، وليس من مكارم الأخلاق أن يرجع في هبته، وإن كانت الصدقة أبين.
(٤) أخرجه أحمد (٨٩٥٢) والبخاري في "الأدب المفرد" (٢٧٣) بلفظ: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "، وقوى إسناده الأرناؤوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>