للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصدَّق بأَمْرٍ من الأمور، أو أحسن إلى أَحَدٍ، فعليه أن يحمد الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي يسَّر له هذا الطريق، وهو الذي أعَانه عليه، وكل معروفٍ تفعله في هذه الحياة الدنيا لترفع به رأس مسلم، أو تخفف عنه كربة، فإن ذلك سيُدوَّن لك في سجل أعمالك، وستجده يومًا في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في وقت أنت أحوج ما تكون إلى ذلك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجمع المال، وقد مات وليس عنده دينار ولا درهم (١)، ومع ذلك كان أجود من الريح، وكان أجود ما يكون في رمضان (٢)، فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يمسك شيئًا، لكنه يعطي ويتصدق ويقدم، وهو يعطي عطاء مَنْ لا يخشى الفقر (٣)، وهو أسوتنا -صلى الله عليه وسلم-.

ثمَّ أشار المؤلف إلى قَضيَّةٍ أخرى، وهي أنَّ هذا الدين العظيم إنما جاء بمحاسن الأخلاق، وأن الرَّسول الخاتم إنما جاء ليتمم مكارم الأخلاق (٤)، وتَعْلمون أنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بُعِثَ في أُمَّة أميَّة (٥) قد انتشرت


(١) أخرجه مسلم (١٦٣٥) عَنْ عائشة قالت: "ما تَركَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دينارًا، ولا درهمًا، ولا شاةً، ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيءٍ".
(٢) أخرجه البخاري (٦) (١٩٠٢) (٣٢٢٠) ومسلم (٢٣٠٨) عن ابن عباس، قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة".
(٣) معنى حديث أخرجه مسلم (٢٣١٢) عن أنسٍ: أن رجلًا سأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- غنمًا بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: "أي قوم، أسلموا، فوالله إنّ محمدًا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر"، فقال أنس: "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها".
(٤) معنى حديث أخرجه أحمد في "مسنده" (٨٩٥٢) عن أبي هُرَيرة، قال: قال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بُعِثْتُ لأتمم صالح الأخلاق "، وقال الأرناؤوط: صحيح، وهذا إسناد قوي.
(٥) أخرجه البخاري (١٩١٣)، ومسلم (١٠٨٠) بلفظ: عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنا أُمَّة أميَّة، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا"، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. ومن ذلك أيضًا ما رواه الترمذي (٢٩٤٤) عن أُبي بن كعبٍ، قال: لقي=

<<  <  ج: ص:  >  >>