للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها الجاهلية (١)، ومع أنه -عليه الصلاة والسلام- بعث بين أولئك الأقوام الذين سادهم الجهل، وسيطرت عليهم الخرافات إلا أنهم كانوا على بعض الصفات الكريمة، فإنهم كانوا أوفياء، وكانوا شجعانًا، وكانوا أيضًا كرماء، وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق، والله سبحانه وتعالى قد وَهَب الرسول -صلى الله عليه وسلم- خلقًا عظيمًا، فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤].

وقَدْ وصفت عائشة -رضي الله عنها- خُلُقَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما سُئلَت عن ذلك، فقالت: "كان خلقه القرآن" (٢).

والكلام في أول الأمر كان جائزًا في الصلاة حتى نزل قول الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فأمرنا بالسكوت، ونهانا عن الكلام (٣)، ولما عطس رجل في الصلاة، رد آخر لا يعلم بنسخ الكلام، فقال: "يرحمك الله "، فرأى استغراب الصحابة حتى قال: فرموني بأبصارهم حتى قال: فأخذوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما فرغ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من


= رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل، فقال: "يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين: منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابًا قط، قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ".
(١) مثال ذلك ما أخرجه البخاري (٤٣٧٦) عن أبي رجاء العطاردي، قال: "كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه ألقيناه، وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوةً من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: منصل الأسنة، فلا ندع رمحًا فيه حديدة، ولا سهمًا فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه شهر رجب ".
(٢) أخرجه أحمد (٢٥٣٠٢)، والبخاري في خلق أفعال العباد (ص ٨٧) بلفظ عن سعد بن هشام، قال: سألت عائشة، فقلت: أخبريني عن خُلُق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: "كان خُلُقه القرآن "، وصحح إسناده الأرناوؤط على شرط الشيخين.
(٣) أخرجه البخاري (١٢٠٠) (٤٥٣٤) ومسلم (٥٣٩) بلفظ: عن زيد بن أرقم قال: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {(٢٣٧) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} "فأمرنا بالسكوت ".

<<  <  ج: ص:  >  >>