للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* قولُهُ: (وَهَذَا العَقْدُ هُوَ مِنَ العُقُودِ الجَائِزَةِ بِاتِّفَاقٍ) (١).

وهذه من المواضع التي أجمل فيها المؤلف، فقال: هو عقد من العقود الجائزة، ووجه هذا ودلالته أن الوصية ليست بواجبةٍ، وهذا في الحقيقة هو مذهب جمهور العلماء (٢)؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في شأن الوصية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)}، فذهب بعض العلماء من التابعين إلى أن الوصية واجبة، أي: أنها لا تزال واجبة، وأن الذي نُسِخَ إنما هو إيجابُها في حق الوالدين ومَنْ له حق الإرث من الورثة، أما ما عدا هؤلاء من القرابة فإن الوصية باقية في حقهم بقاءً واجبًا، وأُثِرَ ذلك عن الإمام الزهري من التابعين (٣)، وعن مسروق وقتادة، وكذلك أيضًا عن ابن جرير الطبري (٤) المفسر المَعْروف، وهو قول داود


(١) يُنظر: "الإجماع "، لابن المنذر (ص ٧٧)، وفيه قال: وأجمعوا أن الوصية إلى المسلم الحر الثقة العدل جائزة.
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "مختصر القدوري" (ص ٢٤٢) قال: الوصية غير واجبة، وهي مستحبة، ولا تجوز الوصية لوارث.
مذهب المالكية، يُنظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (٤/ ٥٧٩) قال: "الوصية مندوبة"، ولو لصحيحٍ؛ لأن الموت ينزل فجأةً.
مذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٤/ ٦٦) قال: وكانت أول الإسلام (الوصية) واجبة بكل المال للوالدين والأقربين .. ثم نسخ وجوبها بآيات المواريث، وبقي استحبابها في الثلث.
مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتى (٤/ ٣٣٨) قال: والوصية ببعض المال ليست واجبة لما قدمنا "بل مستحبة"؛ لأنها برٌّ ومعروف.
(٣) يُنظر: "الإشراف على مذاهب العلماء"، لابن المنذر (٤/ ٤٠١)، وفيه قال: واختلفوا في وجوب الوصية على من خلف مالًا، فقالت طائفة: الوصية واجبة على ظاهر الآية، كان الزهري يقول: جعل الله الوصية حقًّا مما قل أو كثر.
(٤) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٦/ ١٣٧) قال: وَحُكِيَ ذلك عن مسروق، وطاوس، وإياس، وقتادة، وابن جرير، واحتجوا بالآية، وخبر ابن عمر، وقالوا: نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين، وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين.

<<  <  ج: ص:  >  >>