للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا} حَقًّامهو، فقالوا: ذكر المعروف في الآية يدل على عدم الوجوب؛ لأن المعروف إنما هو التطوع، فليست بواجبة.

وَاستدلُّوا أيضًا بما أُثِرَ عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "آية الوصية نسخها قول الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} " (١)، وأيضًا جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "نَسَختها -آية الوصية- آيةُ المواريث" (٢).

وَأجَابوا عن دليل الفريق الأول فَقَالوا: إنَّ الآية -كما ذكرنا- نُسخَت، وأجَابوا عن الحديث الذي ذكرناه أيضًا: "ما حق امرئ مسلم له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" (٣)، بأن المقصود به مَنْ توفي وعليه واجب كأن يكون عليه دَين، أو عنده أمانة أو وديعة، أو غير ذلك مما يجب عليه، فهذا في حقه، وبهذا يَتَبيَّن أن جمهور العلماء -ومنهم الأئمة الأربعة- يرون أن الوصية قد انتقلت من الوجوب الذي كان أوَّلًا قبل أن يكونَ هناك ميراث، ثم بعد ذلك أصبحت مستحبةً وسُنَّةً من السنن خلافًا لما خالف في ذلك.

* قولُهُ: (أَعْنِي: أَنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ) (٤).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) ذهب الفقهاء إلى أن الوصية لا تلزم في حق الموصى ما دام حيًّا، فله أن يرجع عنها في حياته متى شاء؛ لأنها عقد تبرع لم يتم، إذ تمامها بموت الموصى، فجاز رجوعه عنها قبل تمامها.
فمذهب الحنفية ينظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتي (١٠/ ٤٣٦) قال: "ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية"، الرجوع عن الوصية جائز لوجهين:
أحدهما: أنه تبرع لم يتم؛ لأن تمامها بموت الموصى، والتبرع التام كالهبة جاز الرجوع فيه ففيما لم يتم أولى.=

<<  <  ج: ص:  >  >>