للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموصى، فلا ينبغي حقيقةً التصرف فيها، وأن التصرف فيها تعدٍّ، وأما دعوى الورثة فإنها دعوى كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو يُعْطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم" (١)، حتى وَإنْ كان الورثة، فإنَّه لا ينظر إليهم؛ لأن المال هو مال الموصى، وقد رضي بذلك وقدره بالثلث.

* قَوْله: (وَإِنْ كانَ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ جُبِرُوا عَلَى إِخْرَاجِهِ، وَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ المُوصَى بِهِ هُوَ فَوْق الثّلُثِ، قَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الوَرَثَةَ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ، أَوْ يُفْرِجُوا لَهُ عَنْ جَمِيعِ ثُلُثِ مَالِ المَيِّتِ).

وهذا كلام ابن عبد البر، وفيه استحسان منه رحمه الله تعالى، وأنَّ الورثة مطالبون بالبينة على ما ادَّعوا، فإذا ما ثبت أنه أعطى أكثر من الثلمث، يكون فيه حيف فيرجع، لكن جمهور العلماء رأوا أن ذلك من باب سد الذرائع (٢)، وهو قاعدة معروفة في الشريعة الإسلامية؛ لأن ذلك لو أخذ به لفتح بابًا، وربما قام كثير من الورثة؛ لأنه ليس كل الوارثين عندهم من التُّقَى ما يعصمهم من ذلك، فربما حب المال والتعلق به ووجود صعوبة أن يُخْرج شيءٌ من مال مورثهم لغيرهم ربما يرون أن ذلك أمر يضايقهم، ولذلك يسعون إلى هذا، فرأى جمهور العلماء غَلْق هذا الباب سدًّا للذرائع، والمالكية دائمًا ما يطبقون هذا المبدأ، لَكنهم في هذا المقام لم يأخذوا بها؛ لأنهم نَظَروا إلى التُّهمة في المورِّث.

* قَوْله: (إِمَّا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَإِمَّا فِي جَمِيعِ المَالِ عَلَى


(١) أخرجه البخاري (٤٥٥٢)، ومسلم (١٧١١)، ولفظه عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه ".
(٢) "الذرائع ": جمع ذريعة، وهي الوسيلة إلى الشيء، ومعناها حسم مادة وسائل الفساد دفعًا لها إذا كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى مفسدة. انظر: "الصحاح" للجوهري (٣/ ١٢١١)، و"الفروق" للقرافي (٢/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>