للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ المَؤتِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا فِي الحَيَاةِ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ المَالِ وَلَوْ كَانَ فِي السِّيَاقِ).

وَهذه لفتةٌ جيدةٌ من المؤلف، أنه لو أخرجها في الحياة تكون من رأس المال، وتصحُّ حتى ولو كان في السياق، أي: في نزعات الموت.

قَوْله: (وَكأَنَّ مَالِكًا اتَّهَمَهُ هُنَا عَلَى الوَرَثَةِ (أَعْنِي: فِي تَوْصِيَتِهِ بِإِخْرَاجِهَا)، قَالَ: وَلَوْ أُجِيزَ هَذَا لجَازَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُؤَخِّرَ جَمِيعَ زَكَاتِهِ طُولَ عُمُرِهِ حتى إِذَا دَنَا مِنَ المَوْتِ وَصَّى بِهَا).

لأنَّ بعضَ الناس يُؤخِّرون زكاتهم، ويتمتعون بكثرة المال، ويحبون المال حبًّا جمًّا، فإذا أحسوا بقرب أجلهم حينئذٍ يبادرون ويخرجون، والمؤمن الذي يخشى الله ويخافه، يعلم بأنه ليس هناك حدٌّ مقدرٌ لهذه الحياة.

قَوْله:: (فَإِذَا زَاحَمَتِ الوَصَايَا الزَّكَاةُ، قُدِّمَتْ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (١): هِيَ وَسَائِرُ الوَصَايَا سَوَاءٌ، يُرِيدُ فِي


(١) يُنظر: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (٦/ ٧٦٠، ٧٦١) قال: "قولُهُ: وأمَّا دَين الله تعالى … إلخ "، محترز قولُهُ من جهة العباد، وذلك كالزكاة والكفارات ونحوها، قال الزيلعي: فإنها تسقط بالموت، فلا يلزم الورثة أداؤها إلا إذا أوصى بها؟ أو تبرعوا بها هم من عندهم؛ لأن الركن في العبادات نية المكلف وفعله، وقد فات بموته، فلا يتصوَّر بقاء الواجب. اهـ. وتمامه فيه، أقول: وظاهر التعليل أن الورثة لو تبرعوا بها لا يسقط الواجب عنه لعدم النية منه، ولأن فعلهم لا يقوم مقام فعله بدون إذنه، تأمل. "قولُهُ: من ثلث الباقي" أي: الفاضل عن الحقوق المتقدمة، وعن دين العباد، فإنه يقدم لو اجتمع مع دَين الله تعالى؛ لأنه تعالى هو الغني ونحن الفقراء كما في "الدر المنتقى".
"قولُهُ: ثم تقدمت وصيته" أي: على القسمة بين الورثة. قال الزيلعي: ثم هذا ليس بتقديم على الورثة في المعنى، بل هو شريك لهم حتى إذا سلم له شيء سلم للورثة ضعفه أو أكثر، ولا بد من ذلك، وهذا ليس بتَقْدِيم في الحقيقة بخلاف التجهيز والدين، فإن الورثة والموصى له لا يأخذون إلا ما فضل عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>