للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُحَاصَّةِ، وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّ الوَصَايَا الَّتِي يَضِيقُ عَنْهَا الثُّلُثُ إِذَا كَانَتْ مُسْتَوِيَةً أَنَّهَا تتحَاصُّ (١) فِي الثُّلُثِ (٢)).

وهذه مسألة مهمة، فإذا أوصى بعدة وصايا، فهذه الوصايا لا تخلو من أمرين: إما أَنْ تكون متساويةً، أو غير متساويةٍ من حيت الأهمية، فإن كانت في أهميتها متساويةً كأن أوصى لفلانٍ وفلانٍ، فإنهم حِينَئذٍ يتحاصون، أي: كلّ منهم يأخذ حصته ويلحقه النقص، وهذا ليس مذهب مالك وحده، بل هذا عند العلماء جميعًا.

قَوْله: (وَإِذَا كَانَ بَعْضُهَا أَهَمَّ مِنْ بَعْضٍ قُدِّمَ الأَهَمُّ).

وَهذِهِ مسألة أخرى، فلو كان فيها وصية لأحدٍ من الناس، وفيها إعتاق رقبة، فإن عتق الرقبة أهمُّ، ولذلك اختلَف العلماء في العتق، هل العتق يعتبر خَارجًا عن ذلك، فيأتي أوَّلًا فيعتق هذا الغلام أو هذا الشيخ، فإذا ما أعتق يرجع حينئذٍ، فإن كان بقي شيء من الثلث أخذوه متحاصين، ويَلْحقهم النقص كلّ على قَدْر ما أُوصِيَ له، وهذه المسألة أكثر العلماء


(١) تحاصَّ القومُ يَتَحاصُّونَ، إذا اقتسموا حِصَصًا، وكذلك المُحاصَّةُ. انظر: "الصحاح" للجوهري (٣/ ١٠٣٣).
(٢) يُنظر: "الشرح الكبير" الدردير (٤/ ٤٤١)، قال: ثم ذكر أمورًا تخرج من الثلث إذا ضاق عنها، فقال: "و" لو أوصى بوصايا أو لزمه أمور تخرج من الثلث وضاق عن جميعها "قدم لضيق الثلث" عما يجب إخراجه منه وصية أو غيرها "فك أسير" أوصى به ولم يتعين عليه قبل موته وإلا فمن رأس المال "ثم مدبر صحة"، ومنه مدبر مريض صح من مرضه صحة بينة "ثم صداق مريض" لمنكوحة فيه، ودخل بها، ومات فيه، أوصى به أو لا، وتقدم في النكاح أن لها الأقل من المسمى وصداق المثل من الثلث "ثم زكاة" لعين أو غيرها "أوصى بها" أي: بإخراجها، وقد فرط فيها، وإنما قدم مدبر الصحة وصداق المريض عليها؛ لأنهما معلومان، والزكاة لا يُدْرى أصدق في بقائها في ذمته وأنه فرط فيها أم لا، فَإِنْ لَمْ يوص بها فلا تخرج، ويُحْمل على أنه كان أخرجها، فهذا في زكاةٍ اعترف بها عن عام ماض وأنها في ذمته، وأوصى بها، فالاستثناء في قولُهُ: "إلا أن يعترف بحلولها" عليه أي: في عام موته منقطع، لأن الاعترافَ بالحلول إنما يكون بالنظر للحاضر لا للماضي، "ويوصي" بإخراجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>