للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لا ننتبه له؛ فهو يذهب إلى عكس ذلك، ويرى أن المطلقَ فيه زيادة معنًى، وهذا المعنى قَدْ يكون حكمًا؛ فينبغي أن نَقِفَ عنده ونقدمه علَىِ المقيَّد؛ لأن المقيدَ جاء ببعض، والمطلق زاد علَى ذلك؛ فَيَنْبغي أن نأخذَ بما فيه زيادةٌ، وهذا غير صَحِيح؛ لأنَّه يأتي الشَّيء مطلقًا؛ فيقيد، وقَدْ يأتي عامًّا ويُخصَّص كما رَأينا في آيًة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣]، فإنها قصت بعدَّة أَدلَّةٍ فِي الكتَاب والسُّنَّة.

قوله: (وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ تَحْرِيمُ الدَّمِ مُطْلَقًا فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]، وَوَرَدَ مُقَيَّدًا فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] إِلَى قَوْلِهِ: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥]).

نَرَى هنا قَوْله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣]، وجاء مقيدًا بقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥].

قوله: (فَمَنْ قَضَى بِالمُقَيَّدِ عَلَى المُطْلَقِ وَهُمُ الجُمْهُورُ قَالَ: المَسْفُوحُ (١) هُوَ النَّجِسُ المُحَرَّمُ فَقَطْ).

هذه عبارته "قَضَى"، يَعْني: قدَّم أو أخَذ بالمقيد، وقدَّمه علَى المطلق، أو العكس، فَهو يريد أن يقولَ: هل نقيد المطلق بالمقيد أو نتركه على إطلاقه؟ وكلمة "قضَى"، أي: حكم به، فإنْ حَكَمنا بالمقيَّد علَى المطلق فنقيده، وهذا رأي جماهير العلماء؛ فنقتصر على الحكم الذي وَرَد في المقيد، وإِنْ قلنا: لا نأخذ بالمقيد، فنتركه على إطلاقه.


= الآخر، كما لو قال: إن ظاهرت فأعتق رقبة، وقد نَقَل الاتفاق في هذا القسم القاضي أبو بكر الباقلاني. القسم الثالث: أن يَخْتلفا في السبب دون الحكم، كإطلاق الرقبة في كفَّارة الظهار، وتقييدها بالإيمان في كفارة القتل، فذهب كافة الحنفية إلى عدم جواز التقييد، وَحَكاه القاضي عبد الوَهَّاب عن أكثر المالكية.
(١) "الدم المسفوح ": يراد به السائل، وقد سفحه يسفحه بالفتح أي: هراقه. انظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>