للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي فيدعي هذا دعوة وذاك يدعي دعوة أخرى أو هذا يدعي وذاك ينفي، والقاضي في قرارة نفسه يعلم الحق، فهل له أن يقضي بعلمه أو يقضي بما يثبت بين يديه؟ لأنه قد يأتي المدعي بشهود وهو صاحب باطل وذاك لا يكون عنده شهداء وهو صاحب الحق فهل يقضي القاضي بعلمه أو يقضي بما تثبت به البينة؟ وهذه مسألة انقسم فيها الأئمة الأربعة إلى قسمين فنجد بأن من الأئمة من يرى أنه لا يقضي بعلمه كمالك (١)، وأحمد (٢)، وهناك من يرى بأنه محل ثقة وله أن يقضي بعلمه ما دام يعلم الحق كأبي حنيفة (٣)، والشافعي (٤).


(١) يُنظر: "الشرح الكبير" للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ١٥٨)، حيث قال: " (ولا يستند) في حكمه - أي: القاضي - (لعلمه) في الحادثة بل لا بد من البينة، أو الإقرار (إلا في التعديل) لشاهد فيستند لعلمه بعدالته، ولكن يقبل فيه تجريح من جرح؛ لأن التجريح يقدم على التعديل".
(٢) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٣/ ٥١٩) حيث قال: "و (لا) يحكم قاض (بعلمه في غير هذه) المسألة (ولو في غير حد) للخبر ولقول الصديق: "لو رأيت حدًّا على رجل لم آخذه حتى تقوم البينة"، ولأن تجويز القضاء بعلم القاضي يؤدي إلى تهمته وحكمه بما يشتهي مع الإحالة على علمه، لكن يجوز الاعتماد للحاكم على سماعه بالاستفاضة؛ لأنها من أظهر البينات".
(٣) يُنظر: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (٥/ ٤٣٨ - ٤٣٩) حيث قال: "وشرط جوازه عند الإمام أن يعلم في حال قضائه في المصر الذي هو قاضيه بحق غير حد خالص لله تعالى من قرض أو بيع أو غصب، أو تطليق أو قتل محمد أو حد قذف، فلو علم قبل القضاء في حقوق العباد: ثم ولي فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها في حال قضائه في غير مصره ثم دخله فرفعت لا يقضي عنده، … وأما في حد الشرب والزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقًا، … (قوله: إلا أن المعتمد)، أي: عند المتأخرين لفساد قضاة الزمان، وعبارة الأشباه: الفتوى اليوم على عدم العمل بعلم القاضي في زماننا كما في جامع الفصولين".
(٤) يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٨/ ٢٥٩) حيث قال: " (يقضي بعلمه) إن شاء، أي: بظنه المؤكد الذي يجوز له الشهادة مستندًا إليه، وإن استفاده قبل ولايته … ولا بد أن يصرح بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي، فإن ترك أحد اللفظين لم ينفذ حكمه، ومقابل الأظهر علل بأن فيه تهمة ويقضي بعلمه في الجرح والتعديل والتقويم قطعًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>