للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس على بعض، فمن الناس من لا يردعه إلا القوة والله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وقال الله تعالى في شأن المحاربين: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣)}، فلا يخلو زمان من وجود مفسدين ومن وجود عصاة حتى في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارتكبت الموبقات فما بالكم بغيره.

قوله: (مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَهُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ، وَبِالْجُمْلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَوْ لَا يُتَّهَمُ).

والتُّهمة كما هو معلوم معتبرة في مذهب المالكية ومرت بنا في عدة مسائل، يعني: عندما يتَّهم الإنسان يوقف، حتى إنهم أحيانًا كما جاء في الحديث: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" (١) فأحيانًا يقلبون الأمر فيجعلون اليمين على المدعي مع أنه صاحب البينة إذا وجدت شبهة.

قوله: (وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ أَصْلِ الشَّرْعِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِلنَّظَرِ الْمَصْلَحِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّظَرَ الْمَصْلَحِيَّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرِثَ؛ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ النَّاسُ مِنَ الْمَوَارِيثِ إِلَى الْقَتْلِ وَاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ).

يقول المؤلف: لو نظرنا أيضًا للمصلحة ومن باب ردع الجناة والمعتدين فالمصلحة تقتضي ألا يرث، وهذا ما نسميه بسدِّ باب الذرائع (٢)؛ لأنه إذا أُغلِق هذا الباب فلن يفكر أحد فيه، كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، يعني: لو لم يعلم كثير من الناس أصحاب


(١) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (١٠/ ٤٢٧)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (٢٣٨٤).
(٢) "الذرائع ": جمع ذريعة، وهي الوسيلة إلى الشيء، ومعناها حسم مادة وسائل الفساد دفعًا لها إذا كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى مفسدة. انظر: "الصحاح" للجوهري (٣/ ١٢١١). و"الفروق" للقرافي (٢/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>