للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإمام مالك قد تشدَّد في هذا الأمر، فقال: إذا أعتق نصرانِيٌّ مسلمًا فإنه لا ولاء للنصراني على المسلم لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)} [النساء: ١٤١]، وأيضًا لو أسلم النصرانِيُّ بعد ذلك فإنه لا يرثه، وهذا هو قول الإمام مالك، وخالف الجمهور مالكًا في أحد شطري قوله كما سيأتي.

قوله: (وَقَالَ الْجُمْهُورُ (١): وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ).

لأن الحديث الذي جاء عن من لا ينطق عن الهوى عام، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما الولاء لمن أعتق " (٢)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما تكلَّم عن الإرث قال: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " (٣)، ولكنه عندما قال: "إنما الولاء لمن أعتق " (٤) لم يقيده الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولو كان ذلك خاصًا بالمسلم بالنسبة للولاء لبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الرسول مطالب بالبيان، والله تعالى يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، فوظيفة الرسول أن يبين عن الله -سبحانه وتعالى- وهذه مسألة تحتاج إلى بيان فقالوا: إن الرسول سكت عنها فدلَّ على أنها عامة، ثم إن هذا


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: " الدر المختار وحاشية ابن عابدين " (٦/ ١٢٠) حيث قال: " من عتق؛ أي: حصل له عتق (بإعتاق) فولاؤه ولو من وصية (أو بفرع له) ككتابة وتدبير واستيلاد (أو يملك قريب) فولاؤه لسيده (ولو امرأة أو ذميًّا أو ميتًا حتى تنفذ وصاياه وتقضى ديونه) منه (ولو شرط عدمه) لمخالفته للشرع فيبطل ".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج" للهيتمي (١٠/ ٣٧٥) حيث قال: " يثبت الولاء للكافر على المسلم ".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٢/ ٥٧٠) حيث قال: "وإن قال كافر لمسلم: أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل "، أي: أعتقه عن الكافر (صحَّ) عتقه عنه؛ لأنه إنما يملكه زمنًا يسيرًا ولا يستلمه، فاغتفر يسير هذا الضرر لتحصيل الحرية للأبد (وولاؤه للكافر)؛ لأن المعتق كالنائب عنه (ويرث) الكافر (به)، أي: بالولاء من المعتق المسلم ".
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (٦٧٦٤)، ومسلم (١٦١٤).
(٤) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>