للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَذِنَ في الصلاة فيها؛ فدلَّ فعلُهُ وقولُهُ بذلك على أنَّ أبوالَها وأروَاثها طاهرة.

يُضَاف إلى ذلك حديث العرنيين، وهو نص في المسألة.

ويبقى معنا أن نتساءل: ما دَليل الذين قالوا: إن أبوال وروث ما يؤكل لحمه نجسة؟

الجواب: إنهم يستدلون بحديث صاحِبَي القبر الذي ورد في "الصحيحين"، وقَدْ جاء فيه أنَّ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر: فكان لا يستبرئ من البول" (١)، فأطلق البول، والبول هنا يشمل بول بني آدم وغيره؛ فلا نخصُّهُ ببول بني آدَم، وهذا أول دَلِيلٍ للفريق الآخر (الشافعية والحنفية).

وَاستدلُّوا أيضًا بقول الله سبحانه وتعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧]، حيث قالوا: إن الروث والبول مستخبثان، والعرب تستخبث ذلك وتستقذره، ونحن أيضًا نرجع إلَى لغة العرب في مثل ذلك المقام.

إذًا، هذا أمرٌ مستخبث ومستقذر عند الناس، وهذا دليل على النجاسة.

وهنا نتساءل: هل كل مستقذر (٢) نجس؟

الجواب: لا، فهناك بُصَاق يستقذره الإنسان، وهناك نُخَامة يستقذرها الإنسان، بل وقد منع الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرجلَ منها إلى أن قال: "في طرف ثوبك" (٣)، فبصق في طرف ثوبه، وكان الصحابة أيضًا يبتدرون نخامةَ


(١) تقدم تخريجه.
(٢) "القذر": ضد النظافة. وشيء قذر: بَيِّن القذارة. وقذرت الشيء بالكسر وتقذرته واستقذرته، إذا كرهته. انظر: "مختار الصحاح" للرازي (٢٤٩).
(٣) أخرجه مسلم (٣٠٠٨) عن جابرٍ وفيه: " … فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله- تبارك وتعالى- قِبَلَ وجهه، فلا يبصقن قِبَلَ وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادره فليقل بثوبه هكذا"، ثم طوى ثوبه بعضه على بعض … الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>