للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الخندق، فلا تقع إلَّا في يدي واحدٍ فيمس بها وجهه (١)، وكلُّ ذَلكَ وَرد، فليسَ كلُّ ما يَسْتقذره الإنسان يكون نجسًا، وَإنْ كانت نُخَامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تدخل في ذلك أصلًا؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- ليس فيه شيءٌ مستقذرٌ، لكن ما يهمنا هنا أن المخاط -وكذلك البصاق- تستقذره النفس؛ وعلى هذا فليس كلُّ ما تستقذره النفس يكون نجسًا.

الخُلَاصة: أنَّ الفريقَ الأوَّل (المالكية والحنابلة) آراؤهم صحيحةٌ، وأدلتهم كذلك صحيحة وصريحة، ولا تحتمل تأويلًا، ولا تحويلًا.

وَممَّا يُردُّ به على أدلة الفريق الآخَر أيضًا: أن في حديث البخاري الذي استدلوا به وهو: "كان لا يستنزه من بوله" أنه - صلى الله عليه وسلم - أضاف الضمير إلى الإنسان، فدل على أن المراد به بول الإنسان.

وَأَمْرٌ آخَر أيضًا يُجَاب به: أنه في قوله: "كان لا يستنزه من البول"، قالوا: و"أل" في البول إنما هي للعهد، وهذا معروفٌ في لغة العرب، يَعْني: البول المعروف المَعهود، أَيْ: بوله الَّذي يعهده، وهو أيضًا يخص منه؛ إذن فدلَّ ذلك أنَّ الإجابة عن الآية: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] أنها عامة، وهذه أدلة تُخصِّصها؛ فلا يستدل بدليلٍ عامٍّ على أدلة خاصة هي نص في المدعى.

بذلك ننتهي إلى أن الصحيح في ذلك أنَّ ما يؤكل لحمه، فروثه وبوله طاهر.

قوله: (وَالسَّبَبُ الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمْ فِي قِيَاسِ سَائِرِ الحَيَوَانِ فِي ذَلِكَ عَلَى الإِنْسَانِ، فَمَنْ قَاسَ سَائِرَ الحَيَوَانِ عَلَى الإِنْسَانِ، وَرَأَى أَنَّهُ مِنْ


(١) أخرجه البخاري (٢٧٣١) عن المسور بن مخرمة، ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية … فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم، فَدَلك بها وجهه وجلده … الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>