للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب عن ذلك: أنَّ الغنم عُرفت بالهدوء والمسالمة، أما الإبل فإنها تؤذي المصلي؛ لذلك ذكر العلماء هذه العلة، وفي بعض الأحاديث: "أنها خلقت من الجن والشياطين" (١)، وقد تكلمنا عن ذلك سابقًا، وبيَّنا أن بعض العلماء ترك النصَّ على ظاهره، وبعضهم تأولها أنها ليست من الشياطين، ولكن من جنس الشياطين، أي: أنها توافقها في صفاتها؛ لأن فيها نفورًا، وهذا النفور من صفات الإبل اللازمة، والمصلي لا يحتاج أن يصلي في مكان يشوَّش عليه فيه، لكن الغنم ليس من طبيعتها النفور؛ فاختلف في هذا، ولذلك تفرق العلماء، وليس كما ذكر المؤلف، بل حديث العرنيون نصٌّ، وكونه نُهِيَ عن الصلاة في معاقل الإبل؛ ذكر الحكم مقرونًا بعِلَّته، هذه العلة أنها خُلقَت من الشياطين.

قوله: (وَجَعَلَ إِبَاحَتَهُ لِلْعُرَنِيِّينَ أَبْوَالَ الإِبِلِ لِمَكَانِ المُدَاوَاةِ عَلَى أَصْلِهِ فِي إِجَازَةِ ذَلِكَ)، هذا يرده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله لَمْ يجعل شِفَاءَكم فيما حرَّم عليكم" (٢)، فلو كانت نجسةً؛ لمَا أرشدهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يشربوا منها، وكونه نهى عن الصلاة في مَعَاطن الإبل، فليس ذلك دليلًا على نجاسة ما يخرج من الإبل إلا الدم؛ فهذا أمرٌ مجمعٌ عليه ومعروفٌ.

قوله: (قَالَ: كلُّ رَجِيعٍ وَبَوْلٍ فَهُوَ نَجِسٌ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْ حَدِيثِ "إِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ" طَهَارَةَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا، وَكذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ العُرَنِيِّينَ وَجَعَلَ "النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ" عِبَادَةً أَوْ لِمَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى النَّجَاسَةِ).

قوله: (عبادة) يعني: أمرًا تعبديًّا، أو لمعنًى غير معنى النجاسة،


(١) أخرجه ابن ماجه (٧٦٩) عن عبد الله بن مغفل المزني، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين"، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (٣٧٨٨).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>