للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِمْ خَيْرًا}، وحجتهم: أن الآية باقية على ظاهرها ولا يوجد ما يصرفها عن الوجوب، والأصول المجمع عليها تتعارض مع وجوب الكتابة، والكتابة كغيرها من العتق وطلب التزويج والتدبير والبيع، فكما أنه لا يلزم السيد هناك فكذلك لا يلزمه هنا.

وقد استدل من قال بوجوب الكتابة بأثر عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيثُ كان سيرين - والد محمد بن سيرين - مولًى لأنس بن مالك - رضي الله عنه -، وهو الصحابي الجليل الذي خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنوات، وكان سيرين ذا مال كثير، فطلب من أنس - رضي الله عنه - أن يكاتبه، فأبي أنس، فرفع سيرين أمره إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فطلب منه عمر أن يكاتبه، فأبي أنس، فرفع عمر الدرة على أنس، وأمره أن يكاتبه، وتلا آية النور: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (١).

فقالوا: ما فعله عمر من تلاوته للآية ورفعه للدرة على أنس بهذه المناسبة بيان وتفسير لتلك الآية.

أمَّا الجمهورُ فقالوا: إن لعمرَ - رضي الله عنه - رأيًا، وكذلك أيضًا لأنسٍ رأي آخر، وكلاهما صاحبان جليلان، فكما أن عمر يرى الوجوب، فأنس لا يري الوجوب؛ لأنه لو كان واجبًا عنده - رضي الله عنه - لأسرع إلى فعله؛ فالصحابة - رضوان الله عليهم - من أسرع الناس وأسبقهم إلى امتثال أوامر الله ورسوله.

وقالوا أيضًا: قد جاء في رواية أخرى أن عمر - رضي الله عنه - رفع الدرة على أنس؛ لأنه أبى أن يأتيه ليساعده في المال (٢) وهذا المعني في نفس الآية؛


(١) أخرجه البخاري معلقًا (٣/ ١٥١) ووصله عبد الرزاق في " المصنف " (٨/ ٣٧١)، وأخرجه البيهقي في " الكبرى " (١٠/ ٥٣٨) ولفظه عن أنس بن مالك، قال: " أرادني سيرين على المكاتبة، فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فذكر ذلك له، فأقبل عليه عمر - رضي الله عنه -يعني: بالدرة، فقال: كاتبه "، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (١٧٦٠).
(٢) لم أقف على هذه الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>