للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه مسألة مهمة لها ارتباط بالآية، وقد أشار إليها قوله -سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣]، فهذا المكاتب لا يخلو من حالين:

الأولى: إما أن يكون قويًّا قادرًا على الكسب.

والثانية: أن يكون عاجزًا، أو رجلًا هرمًا قد تقدم به السن، أو ضعيفًا، أو هزيلًا، أو لا يكن بيده صنعة يتمكن من العمل بها.

قوله: (فَلَا خِلَافَ فِيمَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا عَلَى السَّعْيِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣]).

وهذا مما أُخذ على المؤلف -رحمه الله- من قِبَل بعض النقاد المحللين، لأنه أورد هذه المسألة في غير محلها؛ لأنه لم ينقل إجماعهم على أنه لا يجوز إلا مكاتبة القوي، وإنما قال: "إذا وُجد قوي وضعيف "، وعليه فلا خلاف بين العلماء عند المكاتبة أن القوي يكاتب، والخلاف الدائر بينهم في غير القادر على الكسب، أي: في العبد الذي لا يستطيع أن يكتسب بنفسه (١)، فاختلف العلماء في جواز كتابة سيده له أو لا، وانقسموا في ذلك إلى قسمين:


= أبي حنيفة: إن الشريك مخير، إن شاء استسعى العبدَ في نصف قيمته، وإن شاء أعتقَ نصيبه، والولاءُ بينهما، وإن شاء قَوَّمَ على شريكه نصيبَه، ثم يرجعُ المعتِق بما دفع إليه على العبد يَستسعيه في ذلك، والولاءُ كلُّه له، قال: ومذهب أبي حنيفة لم يقل بواحدٍ من الحديثين - يقصد حديث ابن عمر: "من أعتق شركًا له في عبد … "، وحديث أبي هريرة: "من أعتق شقصًا له من مملوك … "، ومذهبُه خارجٌ عنهما".
(١) يقصد الشارح أن كلام المؤلف: "فَلَا خِلَافَ فِيمَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ أَنْ يَكُونَ قَوِيّا عَلَى السَّعْي " معناه: الإجماع على أنه لا يجوز إلا مكاتبة القوي القادر على السعي، وهذا خطأ؛ لأن جمهور العلماء على جواز مكاتبة الغير قادر على السعي بدليل حديث بريرة، وإنما صواب العبارة أن يقال: "لا خلاف بينهم على جواز مكاتبة القوي، وإنما وقع الخلاف في العاجز عن الكسب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>