للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض الفقهاء (١) يقولون: الدرهم فقط، ولا يُقيِّدونه بالبغل.

إذًا، القيد بذلك ووصفه بالبغل تشبيهًا له، والقصد من ذلك أنه أقرب إلى المخرج، وهذا تقدير للنجاسة.

واختلفوا في قليل النجاسة وكثيرها، منهم مَنْ قال بمقدار الدرهم البغلي كما سبق، ومنه ما يُردُّ إلى نفسك، أيْ: ما فَحُشَ في نفوسهم (٢)؛ "فاستفتِ قلبَك وإن أفتوك" (٣)، فما ترى في نفسك كالذي يخرج مِن أنفك مِن دم قليل أو من فمك قدِّرْه، ولنتذكر قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْ مَا يَريبك إلَى ما لا يريبك" (٤)، فكلُّ أمرٍ تَشكُّ فيه، خاصَّةً في أمور العبادة؛ فعليك أن تطرح ذلك الشَّكَّ، وحِينَئذٍ تسلك مسلك اليقين، لكن ليس معنى هذا


(١) وهم الحنفية، وحقيقة الدرهم عندهم هو الدرهم المالي، وقد قدروا الدرهم بمقدار عرض الكف، وقيل: الدرهم مقداره مثقال، ومنهم مَنْ جمع بين القولين، فقال: إن التقدير بالوزن بالنسبة للنجاسة الجامدة، وبالعرض والمساحة بالنسبة للنجاسة المائعة. انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٨٠).
(٢) يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٨٠) حيث قال: "روي عن أبي يوسف أنه قال: سألت أبا حنيفة عن الكثير الفاحش، فَكَره أن يحد له حدًّا، وقال: الكثير الفاحش ما يستفحشه الناس، ويستكثرونه".
(٣) جزء من حديث أخرجه أحمد في "مسنده" (١٨٠٠١) عن وابصة بن معبد، قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أريد ألا أدع شيئًا من البر والإثم إلا سألته عنه، وإذا عنده جمعٌ، فذهبت أتخطى الناس، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- … فقال: "يا وابصة، أخبرك ما جئت تسألني عنه، أو تسألني؟ "، فقُلْتُ: يا رسول الله، فأخبرني. قال: "جئت تسألني عن البر والإثم؟ "، قلت: نعم، فجمع أصابعه الثلاث، فجعل ينكت بها في صدري، ويقول: "يا وابصة، استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإنْ أفتَاكَ الناس وأفتوك"، وقال الأَلْبَانى: إسناده حسن. انظر: "صحيح الترغيب والترهيب" (٢/ ٣٢٣).
(٤) جزء من حديث أخرجه الترمذي (٢٥١٨) عن الحسن بن علي: قال: حَفظتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يَريبكَ إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة"، وصَحَّحه الألْبَانيُّ في، "إرواء الغليل" (١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>