للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه كلما أتت مسألة، وذَكَر العلماء فيها أدلةً صحيحةً وصريحةً أن نتركها لوُجُود مُخَالِفٍ فيها، فلربما هذا المخالف كان في رأيه نظرٌ أو شكٌّ، كما مر معنا في قول داود (١) في المسألة التي مضت؛ فهو قول شاذ ضعيف، حيث يرى أن كل الحيوانات طاهرةٌ أبوالُهَا، وهذا غير صحيح.

لذلك، يجب ألَّا ننظر إلى هذا القول، أو كل رأي مخالف، والأصل عندنا هي الأدلة.

قوله: (وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا القَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَشَذَّ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ رُبُعَ الثَّوْبِ فَمَا دُونَهُ، جَازَتْ بِهِ الصَّلَاةُ) (٢).

كَانَ مُحمَّد بْن الحسن أيضًا يقصد بذلك النجاسة المخففة، لكن ربع الثَّوب ليس بقليل، بل كبير، ولذلك وَرَد أن الثوبَ يُغسَل مِنَ المَذْي، والمَذْيُ لا ينتشر بهذا الحجم، وإنْ كان البعض يختلف أيضًا في غسله، لَكن وَرَد أيضًا غسل الثوب منه.

قوله: (وَقَالَ فَرِيقٌ ثَالِثٌ: قَلِيلُ النَّجَاسَاتِ وَكثِيرُهَا سَوَاءٌ إِلَّا الدَّمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ).

هَذَا هو مذهب الإمامَيْن مالك وأحمد، وفي نظري أن هذا هو أوسط المذاهب وأقربها لروح الشريعة، لا لأنه مذهب مالك وأحمد، فالرجال لا يُتَّبعون على أسمائهم، وإنما نأخذ بالأقوال كلما وجدناها أقرب إلى قول الله سُبْجانه وتعالى، وإلى قول رسوله، وإلى ما هو أقرب لروح هذه الشريعة، وما هو ألصق بقواعدها.

ولا شك أننا عندما نعيد النظرَ وندقق تتضح الأمور، وقد مرَّ بنا ما


(١) ومعه أبو يوسف القاضي، وقد سبق الإشارة إلى هذا.
(٢) يُنظر: "الاختيار لتعليل المختار" لابن مودود الموصلي (١/ ٣٢) حيث قال: "وعند محمد: ذراع في ذراع، وعنه: موضع القدمين، والمختار الربع".

<<  <  ج: ص:  >  >>