للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحقيقة: أن السُّنَّة فَرَّقت بينهما، فقد عَرفنا الوصية ودرسناها تفصيلًا، ومن أشهر الأدلة التي وردت فيها حديث سعد بن أبي وقاص، وتعلمون قصته، ونعرف أنه عاش بعد ذلك خمسة وأربعين عامًا، لكنه خَشِي؛ فسأل رسولَ الله أن يُوصي بثلثي ماله، فقال: " لا "، قال: الشَّطر؟ فقال: " لا ". قال: الثلث؟ قال: " الثَّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ " (١)، ورأينا اختلاف العلماء، وأن القليل منهم أوصله الثلث (٢)، ومنهم مَن قال: الرُّبع (٣)، ومنهم من قال: الخُمُس، وأبو بكر أوصى بالرُّبع (٤)، ومنهم من أوصى بالخمس، وعرفنا الوصية وما يتعلق بها، والتدبير: هو عِتق في الحقيقة يكون بعد الموت، وهو ألزم مما يتعلق بالوصية (٥).

* قوله: (وَالَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا (٦) اخْتَلَفُوا فِي مُطْلَقِ لَفْظِ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ: هَلْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ؟ أَوْ حُكْمَ التَّدْبِيرِ؟ (أَعْنِي: إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي)، فَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ).


(١) أخرجه البخاري (٢٧٤٢)، ومسلم (١٦٢٨)، ولفظه: " قال سعد بن أبي وقاص: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: " لا "، قال: قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: " لا، الثُّلُث، والثُّلُث كثير … ". ".
(٢) كعلي بن أبي طالب، أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (٦/ ٢٢٧) عن علي - رضي الله عنه -، قال: "لأن أوصي بالخمس أحبُّ إلىَّ من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع أحب إليَّ من أن أوصي بالثلث، ومَن أوصى بالثلث لم يترك ".
(٣) كعمر بن الخطاب، أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (٩/ ٦٦): " … وأوصى عمر بالربع ".
(٤) أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (٩/ ٦٦) عن قتادة، أن أبا بكر - رضي الله عنه -، أوصى بالخمس، وقال: " أوصي بما رضي الله به لنفسه ثم تلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} " ..
(٥) سمعت كل هذه المسائل.
(٦) وهم الأحناف والمالكية، وأحد قولي الشافعية، ورواية عن الحنابلة، كما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>