للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحيح أن الشافعيَّة ما احتاروا وما فرُّوا، فكم ذكروا وقالوا: إن الذي ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو إزالة النجاسة بالماء، ولم يثبت أن أُزيلَت النجاسة بغير الماء إلا فيما ورد النص عليه، كالحجارة في المَخْرَجَيْن بالنسبة للخُفِّ وذَيْل المرأة؛ إذن ثبت عن الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث عدة كحديث أسماء وغيرها إزالة النجاسة بالماء، وَفِي حديث الأعرابي ثبت ذلك في البدن، وفي الثوب، وفي موضع الصلاة.

إذًا، كلُّ ذلك أُزيلَت النجاسة فيه بالمَاء، ولم يثبت أنْ أُزِيلَتْ النجاسة بماءٍ غير الماء، إذًا هذا الكلام الذي يقوله المؤلف أنَّ الحنفية دار حوار بينهم وبين الشافعية، وأن الشافعية لما ضاقت عليهم المسالك فرُّوا وحاروا وما أجابوا؛ فلا.

قوله: (إِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُعْطُوا فِي ذَلِكَ سَبَبًا مَعْقُولًا، حَتَّى إِنَّهُمْ سَلَّمُوا أَنَّ المَاءَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ، وَإِنَّمَا إِزَالَتُهُ بِمَعْنًى شَرْعِيٍّ حُكْمِيٍّ، وَطَالَ الخَطْبُ وَالجَدَلُ بَيْنَهُمْ: هَلْ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالمَاءِ عِبَادَةٌ أَوْ مَعْنًى مَعْقُولٌ (١)، خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ) (٢).


(١) قَالَ الخَطيبُ البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (١/ ٥٤٨): "التعبد من الله تعالى لعباده على معنيين:
أَحدُهُما: التعبد في الشيء بعينه لا لعلة معقولة، فَمَا كان من هذا النوع لم يجز أن يُقَاس عليه.
والمَعْنى الثَّانِي: التعبد لعِلَلٍ مقرونة به، وهي الأصول التي جعلها الله تعالى أعلامًا للفقهاء، فردوا إليها ما حدث من أمر دينهم مما ليس فيه نص بالتشبيه والتمثيل عند تَسَاوي العلل من الفروع بالأصول". ويُنظر أيضًا: "علم أصول الفقه" لعبد الوهاب خلاف (ص ٦٢).
(٢) الأئمة الأربعة على أنه يتعين الماء في إزالة النجاسة.
المشهور من مذهب الحنفية: "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٨٣) حيث قال: "فما يحصل به التطهير أنواع، منها الماء المطلق، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا، لأن الله تعالى سمى الماء طهورًا بقوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨]، وكذا النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "الماء طهور لا ينجسه=

<<  <  ج: ص:  >  >>